العمل والتواصل الاجتماعي

لا يختلف اثنان في أن العلاقات الاجتماعية والتواصل مع المجتمع وتلمس احتياجاته اليومية والاستماع لمطالبه، واجب على كل إنسان بغض النظر عن موقعه وعمله وعمره وجنسه، وتكون أوجب على الموظف العامل في الشأن العام، ويزيد هذا الواجب والمسؤولية كلما ارتفعت مسؤولية العامل في الشأن العام، وكان قديما الاتصال والتواصل المباشر مع المجتمع من خلال لقاءات المجاملة والمناسبات الخاصة، إحدى أهم الوسائل لمعرفة أحوال المجتمع ومتطلباته ومشاكله قبل ثورة المعلومات والاتصال والتواصل الحديث.
إن التطور الهائل الذي عاشته جميع شعوب العالم في وسائل اتصالها وتواصلها إلى ما وصلنا إليه اليوم وارتفاع حجم ومسؤولية ونوع الأعمال التي يقوم بها المسؤول الحكومي خصوصا من يعمل في أمور الناس اليومية ويتحمل إضافة إلى ذلك أعباء التخطيط والتطوير لمستقبلهم ومتطلبات الأجيال المقبلة وما تتطلبه تلك الأمور وغيرها من وقت وجهد للتوجيه والاطلاع والقراءة والمتابعة لكل ما هو جديد في هذا الشأن وغيرها، تقلل من المساحة المعطاة له للعديد من الأمور الاجتماعية التي يراها البعض ضرورة ويراها البعض الآخر غير ذلك.
كما أن تغيير سلوكيات المجتمع ومواعيد لقاءاته وتحول مثل هذه اللقاءات والمناسبات إلى أوقات متأخرة من الليل، حيث لا تبدأ مثل تلك المناسبات إلا بعد الساعة العاشرة مساء ولا يكون العشاء إلا نحو منتصف الليل والانصراف بعد فترة أو وقت غير قصير ما أضعف ويضعف من فرص بعض المسؤولين وخصوصا من يتطلب عملهم الحضور المبكر للعمل والانصراف المتأخر.
لقد كتبت كثيراً عن هذا التغيير السلوكي في مجتمعنا وكيف أنه أضعف من عطائنا وعلاقاتنا الاجتماعية، وكان سببا في فقدنا التواصل الاجتماعي الإيجابي السليم، وأذكر أنني ذكرت في أحد المقالات ما سمعته من بعض السفراء الغربيين من قلقهم من التحولات الاجتماعية الخطيرة في المجتمع السعودي وعلى رأسها السهر المتأخر والعمل المتأخر وتحول أكثرنا إلى ليليين في عملهم وتواصلهم، حيث جعلنا الليل معاشا والنهار سباتا وقلت حينها ماذا نتوقع من الله بهذا التغيير غير الحميد لآياته الكونية.
إن المراجعة المتأنية لكثير من السلوكيات العملية والمجتمعية التي يعيشها مجتمعنا اليوم وإحساس البعض منا ممن يصر على التمسك بالفطرة الربانية السليمة من النوم المبكر والاستيقاظ المبكر والعمل المبكر اتباعا للتوجيه النبوي الكريم ''بارك الله لأمتي في بكورها''، بأنهم لا يستطيعون التواصل الاجتماعي التقليدي مع مجتمعهم، وأن غياب هذا التواصل ربما يؤدي بهم إلى القطيعة المجتمعية، هو إحساس ربما يكون صادقا، ولكن العمل من أجل تطوير المجتمع والعودة به إلى الفطرة السليمة هو الأوجب وهو الإحساس والهم الذي يجب أن يعملوا من أجل تحقيقه، وربما نرى بعد قراءة هذا المقال من يعدل من نمط حياته ويعود للفطرة السليمة وتكون لقاءاتنا ومناسباتنا خصوصا مناسبات الزواج وحفلاتها والمناسبات العائلية وزيارات المجاملات واللقاءات بعد صلاة الظهر في أيام نهاية الأسبوع أو بعد صلاة العصر أو المغرب في بقية الأيام وأن نرى مدننا وقد خلدت للراحة والنوم بعد صلاة العشاء.
إن الاعتقاد بأن التحضر والتمدن له ضريبة منها تغيير بعض السلوكيات الاجتماعية بشكل خاص السهر أو أن المناخ والطبيعة الجغرافية من حر ورطوبة وغيرها من أسباب تعديل سلوكيات وأنشطتنا الاجتماعية من النهار إلى الليل، هو اعتقاد خاطئ يدحضه أن التحضر والتمدد الغربي مثلا لم يغير من سلوكه في هذا الشأن ونرى أشهر مدن العالم بما فيها مدن باريس ولندن ونيويورك تخلد للراحة والنوم المبكر وتمنح الفرصة للأجهزة المعنية بالنظافة والصيانة للطرق للقيام بواجبها، وبالمناسبة ربما بعض هذه المدن تتغير بعض الشيء في المواسم وخصوصا الصيف بسبب الزوار العرب وبالذات الخليجيين لأخذ ما في جيوبهم من نقود، ولهذا حديث آخر ـــ إن شاء الله.
إن التغيير في السلوك المجتمعي الاجتماعي وتطور وارتفاع وتيرة العمل ودخول وسائل وطرق للتواصل المجتمعي؛ أضعفت الطرق التقليدية للاتصال والتواصل المجتمعي، إضافة إلى تطوير بعض المؤسسات والمسؤولين الحكوميين طرق الوصول لمتطلبات المجتمع واحتياجاته، ربما أملك الوقت في المستقبل ـــ إن شاء الله ــــ للحديث عنها، وفق الله الجميع لما يحب ويرضى وجعلنا ممن يستمعون القول فيتبعون أحسنه.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي