متابعة العقود والوفاء بالوعود
قبل أكثر من عامين كتبت في ''الاقتصادية'' مقالا تناولت فيه تأخر تنفيذ المشروعات وتعثر العديد منها، ما يحرم المجتمع من خدمات هو في أمس الحاجة إليها. وقد دعوت في ذلك المقال ديوان المراقبة العامة إلى البحث عن آلية جديدة يمارس من خلالها مهامه، في إطار مسؤولياته، تلبي تطلعات المواطن إلى مراقبة لصيقة وفاعلة ترصد الخلل فور حدوثه في أي مرفق من مرافق الخدمات وعلاجه قبل أن يتفاقم، كما هو الحال في كثير من المشروعات المتعثرة التي تبقى معلقة سنوات إلى أن يُكتب لها من ينتشلها. وفي ذلك السياق طرحت آلية إشراك الرأي العام بشكل منظم في الكشف عما قد يكون هناك من تقصير في تنفيذ ما هو مرصود من مشروعات لمناطقهم، أو تسيب فيما يقدم لهم من خدمات.
وكنت قد كتبت مقالا آخر أيضا في ''الاقتصادية'' قبل ذلك بتاريخ 2/1/1430هـ يحمل الرسالة نفسها دعوت فيه إلى توسعة مشاركة المواطنين في أعمال مجلس الشورى بتوظيف تقنيات الاتصالات الحديثة التي باتت متاحة للجمهور. وضربت مثلا لتلك المشاركة المقترحة أن ينشر المجلس على موقعه الإلكتروني في بداية كل عام الجدول الزمني للقاءات المسؤولين بأعضاء المجلس ما يتيح وقتا كافياً للمواطنين لبسط همومهم وشجونهم وطرح رؤاهم بشكل منظم يساعد على إدراجها ضمن محاور الحوار بدلاً من أفكار مشتتة هنا وهناك يسهل على ضيف اللقاء القفز عليها دون أدنى جهد ومن ثم تكون الحصيلة تفريغ اللقاء من أي نتائج أو التزامات يمكن تلمسها أو متابعتها في الأيام اللاحقة. كما دعوت في المقال نفسه إلى نشر ''مشروعات'' الأنظمة على الموقع الإلكتروني للمجلس فور تسلمها من ديوان رئاسة مجلس الوزراء والأخرى التي يقدمها الأعضاء حتى يطلع الجمهور عليها وتقديم ما قد يكون لديهم من مرئيات للجنة المعنية بدراسة مشروع النظام. وهي خطوة لا تعد انتقاصاً من الآلية المرعية حالياً بل مكملة لها.
لذلك راق لي، بعد تلك الطروحات السالفة، أن أقرأ التقرير المختصر الذي نشرته جريدة ''المدينة'' في 15/3/1433هـ عن تأسيس موقع إلكتروني يحمل عنوان ''بورصة الوعود'' للتذكير بالمشاريع الحكومية التي لم يتم إنجازها. إذ جاء في ذلك التقرير على لسان مؤسس الموقع ثامر المحيميد ''إن الهدف من الموقع متابعة وعود المسؤولين.. وبمعنى أصح يمثل رقابة شعبية أو ذاكرة يمكن متابعتها بالتوقيت الدقيق''.
إن مثل تلك المبادرة قد تشكل نواة جيدة لبرنامج تفاعلي يسهم في كشف أسماء أصحاب الوعود السرابية ما يعد رادعا لبعض المسؤولين الذين دأبوا على إطلاق تصريحات ووعود يمنة ويسرة دون مبالاة أو مراعاة لمشاعر المواطن ووعيه. على أن الأهم من ذلك هو أن البرنامج، بعد أن يكتمل تطويره، سيكون دافعا للقائمين على المشاريع العامة، تخطيطا وتنفيذا، للالتزام الدقيق بالجداول الزمنية للعقود، وهو ما يتمناه أفراد المجتمع في نهاية المطاف، ولا سيما لو تم إشراك وسائل الإعلام المرئية والمقروءة في توثيق حال المشاريع المتعثرة التي يرصدها البرنامج الإلكتروني.
بالطبع كي تنجح تلك المبادرة أو ما يشابهها لا بد لها من دعم مادي ومشاركة من قبل بعض الجهات الرسمية بتقديم البيانات والمعلومات اللازمة عن المشاريع التي تبرم عقودها. من أهم تلك المعلومات قيمة العقد، مدته وتاريخ الانتهاء، المراحل الرئيسة للتنفيذ، الجهة المشرفة، وغيرها من المعلومات التي تساعد على متابعة سير الأعمال. إذ إن جدوى ذلك الموقع الإلكتروني مرهونة بدقة المعلومات وسرعة نشرها وتحديثها. وهناك أكثر من جهة قادرة على تقديم الدعم اللوجستي لمثل تلك المبادرة لما لديها من معلومات دقيقة وشاملة عن العقود التي تبرمها الوزارات والمؤسسات الحكومية كوزارة المالية، ديوان المراقبة العامة، وزارة الاقتصاد والتخطيط، ومجلس الشورى.
إن تأسيس موقع إلكتروني أو أكثر من موقع لمتابعة سير العمل في المشروعات العامة بمشاركة الجمهور ووسائل الإعلام المرئية والمقروءة يعد نقلة في آليات المتابعة، وأداة فاعلة في أيدي الجهات الرقابية للقيام بدورها.