هل نعاني من مشكلة رأي عام ؟
لدينا في السعودية ما إن تهدأ قضية حتى تثور أخرى ويتحزب الناس حولها ويكثر القيل والقال ثم لا نصل إلى رأي عام حولها كأننا في حوار طرشان كما يُقال, وقد تبين لي عمق المشكلة إذ ذهبت إلى استراليا, فالسعوديون لا يكادون يجمعون على رأي سواء في موقفهم من أسامة بن لادن أو قيادة المرأة للسيارة (اخترت هذين المثالين لأنهما أشهر ما يود جمهور الناس في الغرب معرفته عنا كسعوديين) وإذا مررت على التعليقات في مواقع مثل اليوتيوب أو الصحف تجد تبايناً حاداً جداً في الآراء يسترعي الانتباه, فما أسباب ذلك ؟.
يرجع السبب الأول في نظري إلى أننا نحكم على القضايا العامة دون الرجوع إلى المختصين, وليس بمستغرب أن يثور نقاش حول المناهج الدراسية أو البطالة أو الطائفية ويحتم النقاش مع العلم أن جميع المشاركين لم يقرأوا لأي مختص في المجال الذي يتحدثون فيه ! وإذا أردت التأكد من ذلك, فابحث عن أي قضية من خلال محركات البحث, سوف تجد قائمة طويلة من المنتديات التي يكتب فيها من يشاء, متى ما شاء. في أيما شاء دون حسيب أو رقيب. عقول الجماهير للأسف مملوءة بقناعات ورؤى ومعلومات غير موثقة وغير دقيقة, لذلك ليس لها منهجية في تناول القضايا تجعل لها قدراً من التوافق تجاه القضايا العامة.
السبب الثاني : غياب التفكير النقدي جعل الناس يتبنون آراء و يدافعون عنها بقوة من دون أرضية صلبة يقفون عليها ومع وجود وسائل تواصل مثل (الفيس بوك وتوتير والواتس أب) استفحل الأمر وصرت تجد مواداً تنتقل بصورة رهيبة لصياغة عقول الناس تجاه قضية عامة مع غياب تام لأي مهنية أو مصداقية. تصلني مواد كثيرة تتحدث عن قضية معينة من دون ذكر مراجع وحتى لو كان هناك مراجع فلن أقبلها و كيف أقبل مادة لا أدري من حررها و ما هي مؤهلاته ؟ ومع ذلك تجد لهذه المواد رواجاً كبيراً.
السبب الثالث : الغرور المعرفي فمعظم الناس لا يعرف كلمة أدري مع أنها نصف العلم, وهم مستعدون لإبداء الرأي في أي قضية دون تريث. بعض الزملاء يسألوني عن المناهج الدراسية وطبيعة التدين لدى الاستراليين مع أنه لم يمض على مكوثي هناك سنة و هي ليست فترة كافية لإعطاء حكم أو معلومة دقيقة, وكنت أرد عليهم بقولي : هذه الأسئلة قد لا يجب عليها إلا استرالي مختص : وقد قيل قديماً لو سكت من لا يعلم لقل الخلاف.
أنا لا أطالب أن يكون لدينا رؤى وأفكار متطابقة فهذا مناف للفطرة الإنسانية, لكن وجود انسجام وتوافق بين أراء الناس مطلوب حتى ننهض ولو أننا ننقسم حيال كل قضية إلى فرقين لتشتت جهدنا ولذهبت طاقتنا في " قلتم و قلنا" كما هو حالنا اليوم !!.