المؤسسة الحكومية والحماية من المفسدين

ما نعيشه اليوم من جهود جادة وموفقة لعدد من الهيئات والمؤسسات الحكومية المعنية بمحاربة الفساد وأسبابه والمفسدين وخططهم، هي جهود مباركة تحتاج إلى مزيد من الدعم المؤسسي والفردي من الجميع حتى تتحقق الأهداف المنشودة من إنشائها.
المؤسسة الحكومية بكل العاملين فيها تعتبر هدفا أساسيا للإصلاح والتطوير، ومحاربة الفساد داخلها ومعالجة كل أسباب الخلل في الإجراءات والتعاملات وإنشاء مختلف الهيئات والمؤسسات لمحاربة الفساد جهود مباركة ومقدرة، ولكن ما يجب ألا يغيب عن البال في ظل كل هذه الجهود العظيمة هو الالتفات للعاملين في المؤسسة الحكومية بمختلف أجهزتها وخصوصاً القطاعات أو الإدارات المرتبطة بنظام الخدمة المدنية التي سبق أن ذكرت أنها الحلقة الأضعف بين مختلف المؤسسات والأجهزة والقطاعات والهيئات الحكومية والخاصة، لأنها الأكثر عملا ومسؤولية والأقل امتيازات ومكافآت وحوافز.
إن الالتفات لفئة الموظفين أو العاملين في القطاع الحكومي المرتبط بنظام الخدمة المدنية وتعديل أوضاعهم الوظيفية والمالية والحوافز وتعديل نظام تعيينهم وفصلهم ودعم تأهيلهم وولائهم للعمل سيساعد - بإذن الله - كثيرا في التخفيف من كل أنواع الفساد الإداري والمالي كبيرة وصغيرة، أما الإصرار على المحاسبة والمعاقبة والمراقبة دون ذلك التعديل والتغيير فإنه يحولنا لمثل من يحاول أن ينفخ القربة المشقوقة ويذهب كل الجهد والعمل هباء.
إن إصلاح السلم الوظيفي والمالي والإداري لموظفي الخدمة المدنية سيقصر المسافة الإصلاحية ويعزز فرص تحقيقها ويضمن - بعد توفيق الله - حسن العمل والأداء والإنجاز والعطاء، ويعزز ويدعم المشاركة الفاعلة من موظفي الخدمة المدنية في أداء عملهم كما حدث ويحدث مع زملائهم ممن تحولت إداراتهم أو أجهزتهم أو قطاعاتهم إلى شركات حكومية مثل الاتصالات والكهرباء والمياه والصرف الصحي أو مثل من انتقل للعمل في الهيئات الجديدة التي تمنح المزيد من المميزات وتحاسب على الأداء، أو مثل ما يمنح لزملائهم في هيئات الرقابة والمتابعة ومحاربة ومكافحة الفساد.
إن مثل هؤلاء الموظفين الذين انتقلوا إلى شركات أو هيئات جديدة تحسن عطاؤهم والتزامهم وانخفضت نسبة الفساد بينهم مع أن الشخص هو نفسه قبل التغيير وبعده، ولكن تحسين الظروف وتقدير الجهود ضاعف من العطاء والالتزام.
إن الاستمرار في إنشاء الهيئات الرقابية دون الالتفات لتحسين وتطوير أنظمة وإجراءات المؤسسة الحكومية والارتقاء بها لمصاف القطاعات الحكومية الأخرى سيزيد من الفجوة التنظيمية ويهدد الجهود التطويرية والرقابية ويدفع الموظفين في مختلف المستويات الإدارية إلى المزيد من الكر والفر مع الأنظمة، وهذا الكر والفر سوف يرهق المتابع والمراقب ويؤدي إلى المزيد من التقهقر والتدهور الوظيفي الذي ينعكس بشكل مباشر على التطوير والعطاء والإنجاز.
لقد أثبتت التجارب التي تم الأخذ بها من تعديل وتطوير لأنظمة الشركات والهيئات الحكومية نجاح ذلك التعديل والتطوير وهو ما يتطلب الأخذ به وتطبيقه على كل المؤسسات الحكومية ويتم تحويل مختلف المؤسسات والأجهزة الحكومية من مؤسسات ضمان اجتماعي تحت قاعدة قليل دائم خير من كثير منقطع إلى مؤسسات وأجهزة فاعلة لا مكان فيها لمتخاذل أو متقاعس أو فاسد، ويكون البقاء فيها للأفضل عطاء وتطويرا، بدلاً أيضاً من موظفي مثلث برمودا الذي يقول ''لا تعمل حتى لا تخطئ ثم تحاسب''.
إن كل الشواهد تقول إن الإصلاح وتحقيق التطوير ومحاربة الفساد في المؤسسة الحكومية يمر من باب واحد وهو إصلاح الوضع الوظيفي والتنظيمي لهذا الجهاز حتى نستطيع قطع الطريق على الفاسدين والمفسدين للموظفين الحكوميين، لأن هؤلاء المفسدين يعرفون كل مداخل وطرق وسكك ومخارج الأنظمة الحكومية البالية ويقنعون الفاسدين أمثالهم في المؤسسة الحكومية بذلك ويؤكدون للجميع، صالحين وفاسدين، أن الأنظمة الحالية لا تحمي الإصلاح ولا تملك أي مؤسسة القدرة على فصل أي موظف لأسباب عديدة بسبب ترهل وقدم وبيروقراطية الأنظمة الحالية، ولهذا سوف نعيش حالات من الكر والفر بين الخير والشر إلى أن نصلح الخلل الحقيقي الذي يقود إلى الفساد، وأخيراً لعل الامتيازات التي تعطي للزملاء العاملين في هيئة مكافحة الفساد مثلا خير دليل على ما ذكرت، لأن الإصلاح الفردي وحدة لا يكفي إذا لم يدعم بالأنظمة والحوافز والمغريات.
ولي - بإذن الله سبحانه وتعالى - عودة إلى موضوع الأنظمة والحوافز والمغريات لمزيد من الشرح والإيضاح حتى نحقق جميعاً ما نصبو إليه من إصلاح وتطوير وتعزيز لمكتسبات التنمية في وطننا الغالي ونزرع جميعاً بذرة أمل للأجيال القادمة - بإذن الله. وفق الله الجميع للعمل من أجل وطن سعودي الانتماء، عربي اللسان، إسلامي المعتقد وعالمي الطموح.

وقفة تأمل:
ومستجيشا بخشخاش ليدفع ما
أطله من أعاديه فلم يخب
وطالما مر بي كلب وفي فمه
ثور ولكنه ثور بلا غبب
وكم رأى ناظري فيلا على جمل
وقد تورك فوق الرحل والقتب
وكم لقيت بعرض البيد مشتكيا
وما اشتكى قط من جد وفي لعب
وكم رأت مقلتي عينين ماؤهما
يجري من الغرب والعينان في حلب

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي