المُعلم و وزارته
في مقال سابق نشرته هنا عن وضع المعلمين في عام المعلم،إلا أني ما زلت أجد الحديث عن أوضاع المعلمين و أحوالهم مع وزارتهم ذو شجون، شجونه يلعب على وتر الحزن في أغلبه والأسى على ما آل إليه حال المعلمين مع وزارتهم في طبيعة العلاقة بينهما.
علاقة المعلم بوزارته،لن نكون صادقين إن قُلنا أنها مثالية،وسنكون أكثر كَذِباً لو قلنا أنها في أقل الأحوال يغلب الايجاب فيها على السلب. بل تتسم هذه العلاقة بالتوتر وفقدان الثقة والسوداوية.
لا بد لنا أن نسأل ،من المتسبب فيما آل إليه الحال،وما هي الأسباب،وهل هي مبررة ومعللة للفجوة الكبيرة بين صانعي القرار التعليمي والميدانيين.
فحين يُكتب لأحد المعلمين أن يبدأ عمله كمعلم تابع لوزارة التربية والتعليم في إحدى المدن الحدودية البعيدة عن منزله بأكثر من ألف و أربع مائة كيلو متر ،ويوجه لإحدى قراها، ويكون تعيينه على عقد براتب مقطوع محدد بثلاثة آلاف وسبع مائة ريال،لا تشمل أي ميزات أخرى كبدل تعيين أو بدل سكن أو حتى ميزة تخفيض على تذكرة طيران حين يود زيارة أهله. وبعد أن يعاني مما ذُكر بضعة شهور،يتم الشفقة عليه بتثبيته على وظيفة معلم بشكل رسمي،ويكون تثبيته على مستوى ودرجة أقل مما ينص عليه نظام شاغلي الوظائف التعليمية.
ومع كل هذا ما زال هذا المعلم يواصل رسالته ويرجو صلاح الحال والأحوال ،ليبدأ خوض بحر عميق آخر يُدعى حركة النقل السنوية.وموجز هذا البحر أن هذا المعلم مضى أول ثمان سنوات في شتات بين مدن وقرى بلادنا وكأنه سائح يستلذ بالترحال،وجرب خلالها العمل في ست مدارس مختلفة ،برغم انه يرغب الاستقرار من أجل التركيز في عمله إلا أنه كسائر البشر لديه طموح في أن يكون قريباً من اهله و أحبابه،ولديه حلم الزواج الذي صُدم فيه حينما رفضته بعض الأُسر كونه مازال معلماً رحالاً غير مستقر.
ومن مشاكل هذا المعلم أيضاً، حين تم تحسين مستواه،كان يرجو أن يتم ذلك بشكل عادل ومُرضي ومنصف لما واجهه من متاعب وصعاب في السابق،إلا أن ذلك لم يحدث حين اكتشف أنه يتساوا في درجته وراتبه مع من يسبقهم بأربع سنوات في الخدمة التعليمية،في دلالة واضحة على سلب أربع سنوات من عمره العملي.
كتبت عن هذا المعلم بعض العناوين العريضة في مشواره،وما زال هنالك تفاصيل أكثر، وأبرز هذه التفاصيل أن هذا المعلم لم يصل بعد لمكان استقراره المنشود،وشهد جنازة اثنين من زملائه الرحالين،أحدها قضى نحبه في حادث سير اثناء ذهابه للمدرسة ،والاخر في حادث سير على طريق سريع وهو ذاهب لزيارة أهله.
هذا المعلم يتطابق مع حاله كثير من المعلمين،ويشابه حاله أكثر المعلمين. فهل يا ترى هذه المشاكل تُعلل كل هذه الفجوة والتنافر بين المعلمين و وزارتهم؟؟