من أحبني لذاتي و ليس لصفاتي ..
حب الأم لطفلها هو الحب الوحيد بين جميع أنواع المحبة المسمى الحب الغير المشروط كما يُقال, فهو حب تقدمه الأم لطفلها بغض النظر هل لديه ما يستحق الإعجاب أم لا.
إذا تأملتُ حب أمي لي أتعجبُ من ذلك, فأنا شخصٌ لا يملك صفة جذابة, فلستُ وسيماً أو قوي البنية أو حسن الصوت أو حاضر النكته أو حلو الحديث, باختصار أنا شخصٌ لا أستحق فعلاً أن يُحرص علي.
مما يعجبني في أمي أنها تقبلتني كما أنا, حمود كما هو,بأحاديثه المملة,بأفكاره السخيفة, بأطواره الغريبة, من العادات التي قد لا يستسيغها البعض أنني أشرب القهوة بعد الحادية عشرة من الليل, الوالدة إذا قلتُ لها أريد قهوة لا تهزأ بذوقي أو رغبتي.
بالمقابل جادلني أحدهم مرة حول هذه العادة (شرب القهوة في وقت متأخر ليلاً) فكان يقول الناس لا تشرب القهوة في هذا الوقت, قلت له: حسنا: هل الناس تقرأ كتباً بشكل يومي.؟. قلت : إذن لا تقرأ كل يوم, لأن الناس لا تقرأ كتبا يومياً, رد علي: و من قال لك أنني أقرأ كتب كل يوم!
لما كنت طفلاً لم أكن كغيري من الأطفال, ممن يشدون الانتباه بحركاتهم أو ضحكاتهم, أيضاً لم أكن ممن يحفظ بعض سور القرآن أو الأناشيد و يتباها بها بين الآخرين, باختصار كنت طفلاً لا تُعلق علي أي أهمية, و حينما التحقتُ بالدراسة لم يكن مستواى الدراسي مشرفاً أبداً و لم يكن أحد يتبأ لي بأي مستقبل (بل إن أحد أقاربي قال حمود لا يصلح للدراسة أبداً)لكن الوالدة هي من وثقت بي.
و ما زلت أذكر جلوسها في فناء البيت مع إخوتي ينتظروني, و بعد أن أجلس و أرتاح تفتح شنطتي و تنظر ماذا كتب أساتذتي عني.
يمكن القول أن الوالدة بعد زواجها من الوالد, قد وهبت حياتها لي و لإخوتي, فهي ليست موظفة, فمنذ أن الصباح حتى منتصف الليل نحن شغلها الشاغل, من إعداد وجبات إلى ترتيب غرف إلى غسل و كوي ملابس إلى إلى … إن مرض أحد منا مرضت, و إن فرح أحد منا فرحت, و إن رضي أحد منا رضيت ..
مما يعجبني في الوالدة أنها إذا شرحت لي شيئا لا تهيني! أغلب من رأيتهم لا يعلمك شيئا دون أن يظهر تفوقه عليك, بينما الوالدة تعلمني بطريقة لا أشعر معها أنها تمن به علي.
خرجت مرة مع جاهل يحمل شهادة جامعية بتفوق من أحد جامعتنا العريقة(بالمناسبة :مشروع تخرجه عمله باحث عربي) فسألني هل تجيد إعداد القهوة العربية. قلت: لا, أين أنت من (علوم الرجال), قلت: علمني مما علمك الله . .
بين لي إعداد القهوة (هي مجرد ماء مغلي مع بن) بطريقة توحي أنه يكشف لي أسرار القنبلة النووية, و بعد أن انتهى نفض يديه كأنه جراح فرغ من عملية جراحية!
المشكلة كان ينظر إلى على أني أحمق, قلت رحم الله الوالدة ما أحسنها من معلم, الصراحة النوعية من تلك الأشخاص الأفضل أن تقول لها كما يقول الأمريكان : ” I will kick your ass” سوف أركل مؤخرتك إذا بين لك شيئا بطريقة متعجرفة.
الوالدة حفظها الله من كل سوء, لا يعنيها في حبها لي أن أكون ناجحاً أو لا, أن أكون مشهوراً أو لا, هي تريدني لذاتي تريد لي السلامة و الخير, لكن أغلب من رأيتُ لا يصحبك إلا لمصلحة سواء خفيت أو ظهرت.
لما قدمتُ إلى سدني و تعاملتُ مع أصناف عديدة من البشر تذكرت مقولة أحد الغربيين وهي : كلما عرفت الناس ازدادت محبتي لكلبي, و أنا أقول كلما كلما تعاملت مع الناس كلما ازدات محبتي لأمي و إخوتي, الأشخاص الذين يحبونني لذاتي لا لشيء آخر.
قابلتُ أحدهم في سدني ممن يعاني من داء الحسد و سألني عن دراستي, فقلت: حالياً أنا في إجازة, فقال: كيف تكون لك إجازة و أنا أدرس؟!! قلت: ذلك من فضل ربي, العجيب كلما قابلته يذكرني بهذا الأمر(الحسد داء عجيب و ليس لها دواء إلا زوال النعمة أو موت الحاسد)
لكن هل تتصور أمك تحسدك على شيء مما أتاه الله لك سواء كان عظيماً أو حقيراً.؟
لي عن الوالدة سنة في سدني, و قبلها كنت لا أراها من قبل خلال سنتين سوى في أيام نهاية الأسبوع, فأشعر حالياً بعظم فقدي لها, و أرى أنني كنت مقصراً معها في الأيام الماضية فلو اغتنمت رضاها بكل طريقة لكان أرفق بي ..
أسأل الله رب العرش الكريم أن يجزيها خير ما جزى أماً عن ولدها..