أيهما نحتاج أكثر الشهادة أم الخبرة ؟
يدرس حاليا عددٌ كبير من الطلاب السعوديين في مختلف الجامعات الغربية (الناطقة باللغة الإنجليزية خصوصاً) لمراحل الماجستير والدكتوراه , بالمقابل لا ينضم إلى تلك الجامعات للدراسات العليا من أهل البلاد الأصليين عدد بنفس الكثافة السعوديين , فلابد أن يبرز سؤال منطقي هل نحن على صواب أم على خطأ ؟.
سألت معلمتي الإنجليزية عن ذلك , وهي حالياً تدرس في مرحلة الماجستير بعد أن أمضت عشر سنوات في التدريس , فقالت : الدول الغربية تقدر الخبرة أكثر من الشهادة , بل إنه يعتبر حصولك على شهادات كثيرة (بدون خبرة) ليس في صالحك , كان في الفصل طلاب عديدون سألت طالبتين من (كولمبيا والتشيك) وهما دولتان من العالم النامي وليس المتقدم , عن وضع التعليم العالي في بلديهما , أجابتا : كثيرٌ من الطلاب يحملون درجتي الماجستير والدكتوراه (كما يحصل عندنا في السعودية) هل يمكن أن تكون ألمانيا وبريطانيا وأمريكا على خطأ والسعودية والتشيك وكولمبيا على صواب ؟.
لنسأل أنفسنا لماذا بنينا الجامعات ؟. الجواب : للمشاركة في التقدم عن طريق تنظيم المعرفة وتحليلها , فلو أن البشرية لم تراكم المعرفة وتحللها وتنشرها لما حصل التقدم , المعرفة لها شقان : نظري و عملي , نظري : يشمل الأفكار والقوانين والمعلومات , وعملي : القدرة على تحويل المعلومات إلى مشروع أو منتج , الإغراق في الجانب النظري لا يقود للتقدم , فمهندس واحد مع عشرة فنيين يعملون على منتج أفضل من عشرة مهندسين وفني واحد.
قد يجادل البعض أن الغرب لديهم جامعات كثيرة جداً ونسبة عدد الجامعات هناك إلى عدد السكان أكبر بكثير مما يوجد في السعودية , لكن هذه المعلومة غير دقيقة فليس كل الطلاب في الجامعات الغربية هم طلاب محليون كما هو الأمر في السعودية , مثلاً الجامعة التي أدرس بها هي جامعة سدني للتقنية , نسبة عدد الطلاب المحليين (أستراليين) إلى الطلاب الدوليين (غير أستراليين) تقريباً 3:1 , والنسبة تزداد كلما ارتفعت الدرجة العلمية.
كثير من حملة حرف الدال في جامعتنا هم من خريجي أفضل الجامعات في أمريكا وبريطانيا , لكن بالمقابل ما مقدار مساهمتهم في المجال البحثي ؟. ضعيف , مقارنة بنظرائهم في الدول المتقدمة , والسبب أن الدول الغربية هناك ارتباط وثيق بين بيئة العمل والجامعات , لكن للأسف جامعاتنا للأسف تنصرف للتدريس أكثر من البحث العلمي (لضعف تأهيل العملي الأساتذة ولضعف البيئة الصناعية لدينا).
أذكر أني سألت دكتوراً (حاصل على الماجستير والدكتوراه من جامعة إم أي تي) في جامعة الملك فهد عن أبحاثه العملية , قال لي : يا حمود أنا منصرف للتدريس لا يوجد ميزانية للبحث العلمي متينة ولا يوجد شركات صناعية تمول أبحاثي.
يدرسني دكتور في مادة التسويق , سألنا في أول محاضرة كم عدد الطلاب الذين لديهم عمل جزئي ؟. رفع البعض أيديهم , فقال : أنا أحب الطلاب الذين لديهم عمل جزئي , لأنهم يربطون بين النظرية والتطبيق , ثم قال : لقد تركت الدراسة منذ أن كنت في الرابعة عشرة من عمري لأعمل , لكني أكملت دراستي الجامعية والماجستير والدكتوراه بالتوفيق بين العمل والدراسة. لو قدم هذا الدكتور على إحدى جامعاتنا لما قبلوه !. لكني أجزم أنه أفضل عشر مرات من دكتور سعودي يحاضر في مجال التسويق ولم يعمل في شركة تسويق في حياته.
مشكلتنا في السعودية ليس في قلة حملة الشهادات العليا وإنما في كثرتهم !. تقدمت الصين والهند والبرازيل لأنهم ركزوا على الصناعة أما التوسع في التعليم الجامعي لم يقد مصر وغيرها من الدول إلى مصاف الدول المصنعة.
لا يمكن الجمع بين التوسع في التعليم العالي ودعم الصناعة , لأن الطلاب سوف ينصرفون إلى التعليم العالي لأنه مجرد دراسة و (صف كلام) كما يقال , بينما الصناعة تتطلب عملاً شاقاً.
ليس كل خريجي التعليم العام مؤهل لأن يكون طالباً جامعياً , هذا ليس لعيب في بعضهم , لكن هذا النمط من التعليم لا يناسبه , بدلاً من يضيع عمر الطالب ومال الحكومة في مجال لن يعود بالنفع للدولة (كدعم الصناعة) أو للطالب (المتعة في العمل).
قد يكون ما ذكرته صادماً للبعض , لكن لا بد من مواجهة الحقيقة بدلاً من دس رؤسنا في التراب. نحتاج إلى ترشيد التعليم الجامعي والتوسع في التعليم المهني والصناعي.