سكين العلاقات

"أنت غلطان" عبارة نسمعها تُردد كثيرا في أحاديثنا الشخصية والاجتماعية , وحتى العلمية لا تكاد تخلو منها. عبارة تُرسل على عواهنها سواء كان الحق معك أو ضدك. بل إن من المراجعين لبعض الدوائر في القطاع العام أو الخاص لم يسلم من هذه الكلمة. وهذه الجملة بالتحديد هي ايضا دارجة وبكثرة بين قائدي السيارات في شوارعنا البهية ! . وقد يدل ذلك على أنها راسخة في عقولنا البعض منا.

ليست المشكلة في أيُنا المخطئ, فكل ابن آدم خطاء, ولكن المشكلة تكمن في الأسلوب الهجومي المصاحب للكلمة فهو الذي يُشعل الموقف. إن إستراتجية النقد الهجومي هي خاطئة لأنها حتما ستنقلنا إلى نقاش حاد وجدل قد يتفرع يمنة ويسرة, مما يؤدي إلى شحن النفوس حتى أننا في بعض المشاحنات الساخنة قد ننسى الموضع الذي بُدء به النقاش !. وقد نقفز أحيانا إلى مستوى أسوء من ذلك فنبدأ بتجريح الأشخاص وطعن في النوايا, وربما حتى الآباء والأجداد قد ينالهم شيئا من أقذع الكلام ! , وإذا لم نقف عند هذا الحد فقد يتطور إلى تشابك بالأيدي.

كل ذلك كان بسبب إستراتجية الهجوم المبينة على المعلومات قد تكون أصلا مغلوطة أو استنتاجات هوجاء قبل التأكد من الحقيقة الامور . فكأننا نشن حربا على أساس معلومات غير مؤكدة, فتصبح الخسائر فادحة, ثم نبدأ بسياسة الترقيع بعد وقوع الفأس في الرأس, وهذه هي الدوامة التي تعودنا عليها والتي كان من الممكن أن نتفاداها.

والمتأمل يجد أن هذا الأسلوب هو نمط متشابه حتى مع اختلاف الأزمنة والأمكنة. ففي عهد قد مضى لم يسلم الإمام أبو حنيفة النعمان رحمه الله من هذا الأسلوب الهجومي . فقد دار في مجلسه العلمي مناظرة, ولكن المناظر لم يرضى بكلام الإمام فقال له : يا مبتدع يا .....؟ واسمعه قبيح القول , فما زاد ذلك أبو حنيفة إلا هدوء وحلما , فهو صاحب نفس كبيرة فقال له : غفر الله لك, الله يعلم خلاف ذلك. فكأن لسان حال أبو حنيفة يقول لنا عاملوهم بحسن الأدب حتى ولو كان الخصم قليل الأدب.

وأعتقد أن البداية الصحيحة في أن نوجه النقد للأشياء وليس للأشخاص فلنقل مثلا هذا العمل أو هذا الرأي خطأ, وهذا طريقة قد تكون بسيطة جدا ولكنها فعّالة. وهي ولا تحتاج إلى جهد كبير بل مع قليل التدريب و ضبط النفس ستكون نتائجه مبهرة , فلسنا بحاجة للخروج عن النص فنُجرّح الآخرين !.

ولنحاول أيضا بين الفينة والأخرى أن نختلي بأنفسنا, حتى تصفو النفوس من الكدر والجدل, ونراجع شريط الإحداث فقد نرى الحقيقة واضحة كالشمس في كبد السماء, فربما نكون نحن المخطئين !. عندئذ قد يصبح حالنا مثل حال ذلك القائد الذي جادل قادته وأصر على رأيه في غزو روسيا فذاق مرّ الهزيمة بعد حلاوة المجد , فقد قال نابليون بونابرت في منفاه " لا أحد مسئول عن هزيمتي , كنت أنا أعظم عدو لنفسي ".

نعم هي حقيقة فالإنسان كان ولازال أكثر شيء جدلا, ولكن كبار النفوس يعلمون أن الجدل لابد أن يُبقي أثرا في الصدور, فهو سكين للعلاقات, وفي الغالب تخرج كل الأطراف في حرب الكلام بالخسارة !.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي