«تلطيخ» السعودية لنظافة عضو «الشورى»

* أهلا بكم في "مقتطفات الجمعة" رقم 435.
***
* حافز الجمعة: أحيانا "أفكر" أن الإنسان لم يخلق لفهم الحياة كاملة، وإنما ليعيشها كاملة.
***
* دفعني سؤال اليوم من السيدة "مضاوي الرجبان"، التي عرّفت نفسها بأنها متخصصة في "الفكر للتأمل في الفكر". أذكر أن صديقنا الإعلامي القدير كمال عبد الخالق استضافني لما كان يقدم برنامجا خاصا به للحوار. وكان يقول لي في الاستوديو: "أنا هنا في عرشي التأملي التفكيري" .. فسنَنْتُ أسلحة الفكر عندي قدر المستطاع، فالمُقدِّمُ أمامي ليس مقدما تقليديا ولكنه في محراب تصوفي فكري، يريد أن يتجلى فيه ولو على حساب الضيف إن لم يسبح في أجواء عرشه. وسألني سؤالا مباغتا في نهاية اللقاء: "هل أنت مفكر؟" الجواب أفلت من لساني: "لا، أنا شخص يحاول أن يفكر". هل محاولة التفكير تفكير بحد ذاته؟ أرى أنه نعم، فمولد العقل طبيعته التفكير وإنما تختلف الأفكار، وبالطبع تختلف نتائج الأفكار.
***
*هل نستطيع ترويض العقل؟ أظن أننا نستطيع بإنماء المحصلة الفكرية. لا نستطيع ترويض العقل مباشرة، ولكن مع زيادة الحصيلة ترتفع زنة التفكير ليتبع العقلُ تياراتٍ اقتنع بها وتبنّاها، وهنا يكون العقلُ قد روّض نفسَه.
***
* هل المفكرون سعداء أم أشقياء؟ فلاسفة ومفكرون مثل "أفلاطون" و"العقاد" والأب الكنسي العراقي "الكرمللي" وبعض متقدمي الفلسفة من العرب والغرب، يرون أن الشقاءَ والعذاب والمعاناة البشرية هي التي تدفع للتفكير، أي الحاجة تدعو للتفكير. احتجنا الطعامَ واحتَلْنا تفكيريا للزراعة ثم للطبخ ثم لصناعة الغذاء. احتجنا للأمان فجاء التفكيرُ بالقوم والقبيلة والشعب والأمّة. احتجنا للعدل والمساواة فجاء المفكرون الذين مهدوا للثورات مثل روسو وفولتير وإنجلز وترويتسكي. وكان جمال عبد الناصر مفكرا، كتب قصة قبل ثورة 52م "وجوه تبحث عن مؤلف" اقتباسا من أديبٍ إيطالي، نثر فيها أفكاره بين ضباط الجيش الملكي آنذاك. في رأيي، التفكيرُ حالة جادة محايدة بعيدا عن شعور السعادة والشقاء، حتى لو بحث في السعادة، أو بحث في الشقاء.
***
* شخصية العدد: الدكتور "عبد العزيز بن عبد الله الأحمد" عالمٌ ومفكر، حياته الفكرية تدور حول الإيجابية. يقدم برامج تلفزيونية وأعمالا مكتوبة ومذاعة ومقروءة ومسموعة وموضوعية للتفكير في عالمٍ واحد واسع التخوم هو الإيجابية. عُرف ببرنامجه العام "إيجابيون" حتى صارت "إيجابيون" صفةً رديفةً له، فيقال: "أتقصد الدكتور عبد العزيز صاحب (إيجابيون)؟". مفكرٌ حدد له عقلُه (هنا إشكالية من يحدد لمن؟ واعتقادي مع المدرسة التشريحية العلمية العقلية بأن العقلَ بوظائفه الفسيولوجية يقود) عالَما يبحث فيه ولا يكلّ، هو الإيجابية. وقريبا سنفخر أن نبدأ به موسم منتدى "أمطار" .. الفكري!
***
* وتسأل السيدة "مضاوي الأحمد" المتخصصة في التفكير: "هل ترى أن ديكارت كان محقّاً منهجيا وعلميا بمقولته الشهيرة: "أنا أفكر، إذن فأنا موجود"؟ دعيني يا سيدتي أقول لك إن "رينيه ديكارت" سُئِل هذا السؤالُ في الأكاديمية الفرنسية وأجاب: "كنت أفكر وقتذاك تفكيرا مبهما غامضا نبع من أحاسيس صماء". يعني أنه قال بعفوية الاستجابة وليس منهجا من بعد تفكير. على أن الجملة الشهيرة بقيت، وضاع مع تيار الصراع الفكري ما قاله ديكارت عن التبرير. ثم جاءت تفسيرات بُنيَت على مقولته حتى قيل إن ديكارت يرى الفكرَ وجودا. هناك مفكرون مثل "الكِندي" و"ابن طفيل" و"الغزالي" و"سبينوزا" وإسباني عظيم مغمور اسمه "سانتيانا" قضى عمره يؤلف علوم الفلسفة والأخلاق، يرون أن الإيمانَ هو الوجود، ويقول "الكندي" و"الفارابي" المعلم إن الإيمانَ معرفة كلية وتقع تحته آلة التفكير. جاء يا سيدتي "كيركيجارد" وهو أبو الوجودية الحديثة الحقيقي وليس من شوهها جان بول سارتر، وثار على مثالية ديكارت وفنَّدَ بعمقٍ جدلي معقّد ووصل إلى نتيجة مناقضة جداً: "أنا أفكر إذن أنا غير موجود!" فالتفكيرُ في رأيه ينزعك عن إحساسك الوجودي بذاتك وتنفصل في عالم الفكر. وإن كنت تريدين رأيَ عقلٍ محدودٍ جدا مثلي فأميلُ إلى أن الإيمانَ سبب الوجود ومبرِّره، وتحت الإيمان آلة التفكير.. حتى لو احتجت ضده!
***
* وأنا عائد من تبوك فرِحا بلقائي شباب حملة "حتى لا يبكي حبيبٌ على حبيب"، وللعمل الإيجابي الجميل لدعم جامعة تبوك لطلابها بالعمل الاجتماعي، أحببت في الطائرة أن أشتري قلما من مبيعات السماء كما يسمونها. فوجئتُ بأنهم لا يقبلون إلا نقدا وكأن تقنية البطاقة الائتمانية لم تُخترع بعد، وتسأل أين أبسط أبجديات "التفكير" البيعي؟! ويغيب أيضا وبجدارة "التفكير" التسويقي، فالكيسُ البلاستيكي الذي وضعوا به مشترياتي حملته بيدي سعيدا، وحضرت حفلا متأخرا في الرياض، وإذا صبيٌ صغيرٌ يقول لصاحبه: "أهذا عضو الشورى؟ بثوبٍ ملطَّخ!" وكانت الصاعقة! الكيسُ الرخيص الصنع نزَّ الحبرُ من ألوانه فلطخ يدي ولطختُ بيدي ثوبي.. وصرت عضو الشورى الملطخ! على مجلس الشورى أن يقاضي "السعودية" لاسترجاع نظافة زميلهم، وما أصاب نفسيته من إحراجٍ وتلطيخ!

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي