السعودية ومصر وجذور العلاقات

المملكة العربية السعودية وجمهورية مصر العربية تمتد علاقاتهما في عمق التاريخ وما يربطهما من تلك العلاقات الرسمية والمجتمعية والأسرية لا يمكن أن يؤثر فيها أي حدث مهما كان كبره وحجمه، وصانعو مثل هذه الأحداث السيئة يذهبون وتبقى العلاقات السعودية - المصرية أقوى وأعمق منهم جميعًا.
التاريخ حدثنا- وهو دائمًا صادق- عن مطبات من العلاقات السيئة التي حدثت بين البلدين، لكنها لم تؤثر في جوهر العلاقة والترابط الرسمي والاجتماعي، وأن الحكومتين والشعبين السعودي والمصري تجاوزا مثل تلك المطبات كما تتجاوز الطائرات العملاقة المطبات الهوائية في أعالي السماء دون أن تترك أثرًا كبيرًا في شعبيهما، لكن مثل هذه المطبات في العلاقات تحتاج إلى وقفات تفوق قوتها وأثرها؛ حتى تضمن هذه العلاقات استمرارها، خصوصًا عندما تستغل مثل هذه المطبات من العلاقات بأسلوب إعلامي أو مجتمعي يتجاوز الطرح العقلاني الصادق الناصح إلى التصرف الغوغائي الأحمق الأهوج الذي تقوده الأهواء والمصالح والمواقف الشخصية من أشخاص لا يُشْهَدُ لهم بالصلاح أو الخير أو صدق الطرح، ويتحول طموحهم في ظل غياب الرادع لهم إلى صوت عالٍ يؤثر سلبًا في المواقف والأحداث الحقيقية لواقع الأمر.
إن العلاقات السعودية- المصرية مع ما يحدث اليوم من غوغائية غير مبررة في مصر يجب ألا تخرج عن المسار السليم لها، كما أن صوتهم يجب أن يبرز ويرتفع ليمنع الصوت الغوغائي من السيطرة على العقول الهادئة، والصوت العاقل يجب أن يخرج ويسمع، وألا يخاف النقد أو الهجوم أو التجريح من أصوات معروفة ومعروفة أهواء ومصالح أصحابها، كما أن المساحة الإعلامية والمجتمعية يجب أن تعطي مساحة أوسع لتلك الأصوات العاقلة للحديث والإيضاح بشكل يضمن أن تسير الأمور في مسارها الصحيح.
إن العلاقات المصرية- السعودية لا تحمل أي جميل أو معروف من أحد على أحد في أي زمان أو مكان، والعطاء والتعاون والتكامل بين الحكومتين والشعبين أكبر من أي أسلوب أو مثال للمقارنة أو المنة أو.. أو...؛ لأنها علاقة تربطها علاقات الدم قبل علاقات المال، وعلاقات المحبة قبل علاقات المصالح، وأعتقد جازمًا أنه ليس هناك سعودي واحد عاقل ينظر بأي شكل من الأشكال إلى أي مصري بشيء من الدونية أو الاحتقار كما يحاول البعض إبرازه، والشيء نفسه ينطبق على عقلاء مصر، وإذا حدث شيء من ذلك فهو من الشواذ ممن يؤكدون القاعدة في عمق وحسن العلاقات المصرية- السعودية.
إن ما حدث خلال الفترة الماضية من تجاوزات اجتماعية وإعلامية من بعض الشواذ في مصر، وممن استغلوا بعض المواقف والمصالح الخاصة، أو ممن دفعوا من خلال طرف ثالث للإساءة للسعودية، أو بسبب غياب الحكومة المصرية، أو بسبب رغبة بعض الشواذ أيضًا في إيجاد أي سبب للخروج للشارع واللطم والشتم والتنفيس عن النفس من الضغوط اليومية بالسب واللعن والإساءة، أو من بعض المصدقين والمتعاطفين مع المغالطين في نقل الأحداث، أو تغيير الصورة من الحقيقة إلى الباطل، أو ممن يحاول التسلق والبروز من خلال الإعلام على أي حدث، وعندما يتعلق الأمر بالسعودية تكون الفرصة لذلك التسلق والتملق أكبر، خصوصًا عندما يحاول بعض تلك الغوغائية أن يصلح ما أفسد في الماضي، ويبحث عن قامة عالية مثل السعودية للتسلق على أكتافها.
إن كل ما حدث سابقًا وحاليًا ومستقبلاً يتطلب مثل هذا الموقف الواضح والصادق والمباشر من السعودية؛ ليقول لمن يجب أن يتحرك أن يتحرك من الجانب المصري أو غيره من الدول، ومواقف المملكة الصامتة في بعض الأحيان لا تعني الضعف أو الخوف كما يحاول البعض تصويرها، وتحركها في مواقف أخرى لا يعني الاستعجال أو لمصالح خاصة للمملكة كما يحاول البعض الآخر إظهارها، ولهذا فإن المملكة تقف من الجميع والأحداث على مسافة واحدة، لكن عندما تتجاوز مثل هذه الأحداث الخط الأحمر كما يحدث حاليًا في سورية من قتل واغتصاب ونهب وسلب، فإن صوت وموقف المملكة يصبح عاليًا وواضحًا، وعندما يكون شأنًا داخليًا فإنها لا تتدخل أبدًا، لكن عندما يتجاوز البعض ما يمكن تسميته الخط الأحمر السعودي كما حدث مع المحامي المصري، فإن الأمر يتطلب موقفًا واضحًا وصريحًا لردع كل متجاوز أو من يقف خلفه، ومثل هذا الموقف السعودي من الأحداث الأخيرة في مصر موقف مشرف وصادق؛ لأن الأمر تجاوز كل الأعراف السياسية والاجتماعية والدبلوماسية، وهو أمر لو لم تتخذ حكومة المملكة الموقف القوي فيه لحسب عليها أنه موقف ضعف وخوف كما يحاول البعض تصويره.
إن وضوح الرؤية ووضع النقاط على الحروف فيما يتعلق بمصالح السعودية المباشرة وغير المباشرة أمر يجب ألا يكون قابلاً للقسمة على اثنين، أو قابلاً للتفاوض أو المجاملة، ومنه التجاوز غير المشروع على سفارة وقنصليات خادم الحرمين الشريفين في مصر، وتعرض سلامة العاملين فيها للخطر، خصوصًا عندما يتوقع أن يقف خلف مثل هذه التجاوزات دول أخرى.

وقفة تأمل:
ذو العقل يشقى في النعيم بعقله
وأخو الجهالة بالشقاوة ينعم
لا يخدعنك من عدو دمعه
وارحم شبابك من عدو ترحم
ومن البلية عذل من لا يرعوي
عن غيه وخطاب من لا يفهم
ومن العداوة ما ينالك نفعه
ومن الصداقة ما يضر ويؤلم

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي