قطاع الإنشاءات وتوطين فرص العمل

قطاع الإنشاءات من القطاعات الرائدة في المملكة، ليس في فترة الوفرة المالية الحالية فقط، لكن في كل مراحل التنمية التي عاشتها وتعيشها وستعيشها - بإذن الله - المملكة العربية السعودية بشكل خاص ودول الخليج بشكل عام، وقطاع الإنشاءات أو ما يمكن تسميته بقطاع المقاولات، قطاع يتطلب مختلف المهارات والقدرات الفنية والإدارية المتخصصة وغير المتخصصة، الدقيقة وغير الدقيقة، ولهذا فإنه قطاع مولد دائم لفرص العمل لكل شرائح المجتمع من الجنسين، وإن كان الرجال أكثر إلا أنه قطاع تغيب عنه العين التنموية بشكل غريب.
إن الالتفات لقطاع المقاولات في المملكة واستيعاب نوعية الأيدي العاملة فيه والعقول المدبرة له والمتحكمة فيه، وما خلفه من خير دائم ومستدام لأبناء هذا الوطن، يتطلب أن نعيد النظر فيما نحن فيه من تدبير وتطوير وتنظيم لسوق العمل ومنافذه.
إن سوق المقاولات السعودية، خصوصا في الشركات الكبيرة والرائدة، التي تتحكم في أغلبية مشاريع الدولة والدخول في عمق تركيبتها واستيعاب المستثمرين الحقيقيين داخلها والمحركين الفاعلين فيها، وما يرتبط بها من فرص مباشرة وغير مباشرة من خلال مقاولي الباطن وموفري مواد البناء وقطع الغيار ومتطلبات السوق، سيجعلنا نعرف مواطن خلل كثيرة وحقيقية في أسباب تعثر المشروعات أولا، ثم ارتفاع تكاليف المشروعات ثانيا، ثم الهدر في المال والوقت والجهد وتسرب مليارات الريالات خارج الوطن، وأخيرا ضعف استدامة أغلبية المشروعات التي يتم تنفيذها وارتفاع تكاليف صيانتها في المستقبل، كل هذه العوامل وغيرها كثير تأتي نتيجة عدم قدرتنا ربما على دخول هذه السوق ومعرفة من يديرها ومن يتحكم فيها ومن يطرد أبناءنا من العمل فيها، فيما عدا بعض الوظائف البسيطة جدا، التي ربما تصل إلى وظيفة معقب.
إن فرص العمل التي يمكن أن يتيحها قطاع الإنشاءات والمقاولات وما يرتبط به من مشروعات ذات علاقة به من إنتاج لقطاع الغيار ومشروعات صيانة وإدارة لا يمكن تخيلها وتخيل ما يمكن أن تحققه من دخل مالي ومعرفة علمية وفنية وإدارية لشباب المملكة وفي مختلف مجالات العمل، هذا القطاع الذي يمنح كل الكفاءات المتميزة والبسيطة الفرصة للعيش الإنساني الكريم والمستدام.
إن القراءة المتأنية والفاحصة لوضع هذا القطاع والقدرة العجيبة الغربية للعاملين فيه، من غير السعوديين، على طرد كل الكفاءات السعودية منه ومحاربتها بشكل علني ومتعمد دون أي خجل أو خوف، وأخطر من ذلك كله أن من يقود هذه السوق فئة معينة في جنسيتها وديانتها وعدم حبها لأي شيء سعودي، إنسانا أو مكانا، واعتزازها وافتخارها بينها بهذا الميول الغريب. والقارئ المتأني لتركيبة هذه السوق والعاملين فيها والمتصرفين فيها لن يتفاجأ من حقيقة هذا الأمر، بل ربما يكتشف من يعتقد قلبه حب هذا الوطن الغالي المبالغة الغريبة والعجيبة في تفنن هذه الفئة المتحكمة في هذه السوق لكل ما هو سعودي ابتداء بالعاملين فيها، مرورا بأي منتج سعودي وانتهاء حتى بالمقاولين من الباطن لأنهم لا يسمحون أبدا بخروج أي مشروع مهما صغر من دائرة الأقارب والأحباب في الجنسية والديانة، وعندما تحاول طرح الأمر معهم وتوضح أهمية توطين الكفاءات السعودية في هذه السوق المهمة والحيوية يقولون لك: إن الشباب السعودي شباب مدلع ومايع ومترف ولا يتحمل المسؤولية إلى آخر الأسطوانة التي – مع الأسف - قبلها البعض منا وصدقها بناء على بعض التجارب التي يبرزونها، وهي موجودة في نسبة بسيطة من الشباب السعودي.
إن الالتفاتة الصادقة الأمينة لهذا القطاع ليست في توطين فرص العمل للشباب أو إعطاء فرص للمقاولين السعوديين من الباطن، لكن لما هو أهم وأخطر، وهي معرفة ثم معالجة الخلل الحقيقي في هذه السوق المتمثل في فئة المديرين والمحركين لها والمتصرفين فيها، لأننا من دون هذه المعالجة الجذرية الصادقة والأمينة نكون كمن يقطع ذنب الأفعي ويطلقها، وكان الأجدر به قطع رأسها مع ضربها، لأننا بهذا القطع والمعالجة سننجح في تقديم سوق تنموية واعدة تحقق توطين فرص العمل الحقيقية للشباب السعودي في كل المجالات، ويثبت أن الشباب السعودي كفاءات إدارية وفنية متميزة لا يختلفون عن غيرهم من شباب العالم إن لم يتميزوا عنه، كما حدث في المجالات التي أتيحت لهم وأثبتوا من خلالها تميزهم وحصدهم الكثير من الجوائز في مختلف مناحي الحياة.
وأخيرا أرجو صادقا مخلصا الالتفات لسوق الإنشاءات والمقاولات في السعودية وإنقاذها مما هو فيها من فساد وتدمير وسنرى - بإذن الله - خير هذا الإصلاح على إنسان ومكان المملكة العربية السعودية، ولهذا الخير أيضاً في مقالة قادمة - إن شاء الله.

وقفة تأمل

''توكل على الرحمن في الأمر كله
ولا ترغبن في العجز يوما عن الطلب
ألم تر أن الله قال لمريم
وهزي إليك الجذع يساقط الرطب
فلو شاء أن تجنيه من غير هزة
جنته ولكن كل رزق له سبب''

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي