هجوم بشار على أردوغان بلا جدوى
الحوار الذي أجرته صحيفة ''جمهوريت'' التركية مع بشار الأسد ونشرته الأسبوع الماضي أثار جدلاً واسعًا في الأوساط الإعلامية حول ماهية هذا الحوار وأهدافه؛ هل هو عمل صحافي أم أنه دعاية مجانية– أو ربما مدفوعة الثمن- للنظام السوري؟ ومنهم من أَيَّدَ إجراء مثل هذا الحوار بحجة أن الصحافي يجب أن يقوم بعمله في جميع الظروف لنقل الحقائق إلى الرأي العام، ومنهم من عارضه؛ لأن الأسد يريد فقط أن يهاجم أردوغان في عقر داره مستغلاً وسائل الإعلام التركية.
حوار الصحافي التركي أوطكو تشاكر أوزر مع بشار الأسد تم الترتيب له عن طريق الصحافي السوري المقيم في تركيا حسني محلي، الذي يعمل مسؤول العلاقات العامة للنظام السوري في تركيا، وكان من المفترض أن يشارك ثلاثة صحافيين آخرين في البرنامج المخطط، إلا أنهم عدلوا عن قرارهم بعدما حذّرهم رؤساء التحرير من استغلال النظام السوري هذه الفرصة في الترويج لدعايته في الوقت الذي تشهد فيه العلاقات بين البلدين توترًا كبيرًا جراء إسقاط الطائرة التركية. ولم يتضح بعد إذا ما كان طلب إجراء الحوار مع الصحافيين الأتراك جاء من الطرف السوري، أم الصحافيون الأتراك هم من طلبوا مقابلة بشار الأسد؟
الحوار الذي نشرته صحيفة ''جمهوريت'' المحسوبة على التيار العلماني المتطرف يُشعر القارئ بأنه عمل دعائي بامتياز لمصلحة النظام السوري، وأن الأجوبة تمت صياغتها من قبل معارض تركي يعرف جميع تفاصيل ما يجري في الساحة التركية وأدبيات المعارضة. ويدور الحوار كله حول فكرة واحدة وهي أن الشعب التركي طيب وصديق وليست لديه مشكلة مع النظام السوري، لكن حكومة أردوغان متورطة فيما يجري من أعمال ''الإرهاب'' وسياستها تجاه الأزمة السورية سيئة.
لم تأتِ الاستراتيجية التي اتبعها بشار الأسد في حواره مع الصحافي التركي من فراغ، بل هي مبنية على قراءة الرأي العام التركي الرافض لأي تدخل عسكري في سورية، وتهدف إلى تحريض الشارع التركي ضد حكومة حزب العدالة والتنمية ورئيسها رجب طيب أردوغان. وجاءت أجوبته متفقة تمامًا مع ما يطرحه اللوبي الروسي واللوبي الإيراني في تركيا لتشويه السياسة الخارجية التركية الداعمة للثورة السورية، مثل اتهام أردوغان بأنه يتحرك وفق غرائزه الطائفية.
الهدف من اتهام الحكومة التركية بالتحرك انطلاقًا من الدوافع الطائفية سواء كان في سياستها تجاه سورية أو غيرها من دول المنطقة، هو إثارة الفتنة الطائفية في تركيا وتحريض الطائفة العلوية ضد الحزب الحاكم، إضافة إلى إشغال حكومة أردوغان بإثبات عدم طائفية سياستها ومواقفها وتضييق المساحة التي تتحرك فيها؛ لأن الحكومة التركية تتحاشى- إلى حد الإفراط- أي مظهر أو تصريح قد يتم من خلاله اتهامها بالطائفية، ومن ثَمَّ ليس من الغريب أن يتهم بشار الأسد رئيس الوزراء التركي بالطائفية؛ لأنه يعرف نقاط الضعف والقوة في سياسة الحكومة التركية وحساسيات المجتمع التركي.
استراتيجية بشار الأسد في الهجوم على الحكومة التركية ورئيسها أردوغان عبر وسائل الإعلام التركية لم تكن خاطئة تمامًا، لكنها لن تعطي أكلها كما يتمناه النظام السوري لأسباب كثيرة، منها أن بشار الأسد لم يأتِ بشيء جديد غير ترديد ما ذكرته أبواق النظام السوري مرارًا وتكرارًا، وكل ما ذكره بشار الأسد من اتهام الحكومة التركية بأنها مسؤولة عن تدهور العلاقات بين البلدين ورمي أردوغان بالطائفية تم استهلاكه داخليًّا إلى أبعد الحدود من قبل المعارضة والأطراف المتعاطفة مع النظام السوري.
بشار الأسد يطلب من الشعب التركي أن يكذِّب حكومته فيما تقوله بشأن إسقاط الطائرة، وأن يصدِّق ما يذكره هو وأركان نظامه من الخزعبلات والأكاذيب التي لا يصدقها مَنْ عنده مثقال ذرة من العقل، كأن يزعم أنهم لم يتعرفوا على هوية الطائرة وظنوا أنها طائرة إسرائيلية، دون أن يذكر متى أسقط الدفاع الجوي السوري طائرة إسرائيلية أو أطلق عليها النار على الأقل رغم تحليق الطائرات الإسرائيلية فوق قصره بدمشق وضربها المنشآت السورية. ثم كيف يتوقع بشار الأسد من الشعب التركي أن يصدِّق ما يروِّجه النظام السوري بعد أن ثبت أنه يكذب في يوم وليلة 100 كذبة؟ وهل يظن أن الأتراك ليست لديهم ذاكرة، ومن ثَمَّ لا يذكرون ما كان يقوله النظام السوري بالأمس القريب في حادثة احتجاز الصحافيين التركيين، ونفي الناطق باسم وزارة الخارجية السورية وجودهما لدى دمشق وجزمه بشكل قاطع أن السلطات السورية ليس لديها أي علم بمكان وجودهما، بينما كان الصحافيان يقبعان في السجن بالعاصمة السورية؟
ومن الأخطاء التي ارتكبها بشار الأسد في هجومه على أردوغان في هذا الحوار- إن كان فعلاً هو من أجاب عن أسئلة الصحافي التركي– أنه نسي أن المعلومات التي قدَّمتها الحكومة التركية بشأن إسقاط الطائرة مصدرها رئاسة الأركان، وأن معظم المعارضين قد لا يصدِّقون حكومة أردوغان، لكن من المستحيل أن يرجِّحوا ما يدعيه النظام السوري على ما يقوله جيش بلادهم. وأشار الأسد إلى أن أغلبية الشعب التركي لا تريد الحرب، لكنه تجاهل أن الأغلبية نفسها ترى ضرورة الرد على النظام السوري وتأديبه، بل حتى إسقاطه دون الخوض في أي حرب تستنزف قدرات تركيا وطاقاتها.