التهدئة في بحر الصين الجنوبي
يبدو أن بحر الصين الجنوبي ـــ الذي طالما اعتُبِر، إلى جانب مضيق تايوان وشبه الجزيرة الكورية، واحدة من بؤر التوتر الثلاث الكبرى في شرق آسيا ـــ بدأت أمواجه تتلاحق من جديد. فقد جاء إعلان الصين عن نشر قوات تابعة لها في جُزُر باراسل في أعقاب شهر من تصعيد أصحاب المطالب الإقليمية المتنافسة لنبرة خطابهم، وبعد أن أصبح تواجد سلاح البحرية الصيني في المناطق المتنازع عليها أكثر وضوحا، وتسبب الصينيون في انقسام رابطة دول جنوب شرق آسيا (آسيان)، والتي عجز وزراء خارجيتها عن الاتفاق على بيان رسمي لأول مرة منذ 45 عاما.
وكان كل هذا سبباً في توتر الأعصاب ــــ كما فعلت مواقف عسكرية أخرى واستعراض العضلات الدبلوماسية منذ عام 2009 إلى منتصف عام 2011. ولا عجب أن بحر الصين الجنوبي الذي يمتد من سنغافورة إلى تايوان، يُعتبر ثاني أكثر الممرات البحرية على مستوى العالم ازدحاماً بالحركة، حيث يمر ثلث الشحن العالمي عَبره.
وهناك المزيد من الدول المجاورة التي تتقدم بمطالبات أكثر لأجزاء متزايدة من بحر الصين الجنوبي ــــ وتميل إلى تعزيز هذه المطالبات بتطعيمها بنعرات قومية أكثر حدة ــــ على نحو لم يسبق له مثيل في حالة أي مسطح مائي آخر على مستوى العالم. والآن يُنظَر إلى بحر الصين باعتباره أرض اختبار رئيسة للمنافسة الصينية الأمريكية، حيث تمد الصين جناحيها الجديدين، وتحاول الولايات المتحدة تقليمهما بالقدر الكافي للحفاظ على تفوقها الإقليمي والعالمي.
ولقد حدث تدافع وتزاحم من قِبَل مختلف المطالبين لاحتلال أكبر عدد ممكن من هذه الجزر ــــ التي لا يتجاوز حجم بعضها بضع صخور. ويرجع هذا جزئياً إلى أنه بموجب اتفاقية الأمم المتحدة لقانون البحار، التي صدقت عليها كل هذه الدول، تستطيع كل من هذه الجهات السيادية المالكة أن تطالب بمنطقة اقتصادية خالصة عرضها مائتي ميل بحري (تمكنها من الاستغلال المنفرد لمصائد الأسماك والموارد النفطية) إذا كان بوسعها المحافظة على حياة اقتصادية في هذه المناطق. وإلا فإن كل جهة سيادية مالكة تستطيع أن تطالب بما لا يتجاوز 12 ميلاً بحرياً فقط من المياه الإقليمية.
والأمر الذي زاد من قلق رابطة دول جنوب شرق آسيا بشأن نوايا بكين هو أنه حتى إذا كان بوسع الصين أن تطالب بشكل معقول بالسيادة على كل هذه الجزر في بحر الصين الجنوبي، وكانت كلها مأهولة بالسكان، فإن المناطق الاقتصادية الخالصة التي تصاحبها لن تشمل أي شيء مثل كل المياه الواقعة داخل الخريطة التي قدمتها في عام 2009. وأثارت هذه المخاوف، المبررة، من أن الصين غير مستعدة للعمل ضمن القيود التي نصت عليها اتفاقية قانون البحار، وأنها ربما تكون عازمة على تقديم مطالبة أعرض اتساعاً استناداً إلى التاريخ.
وهناك طريقة معقولة للتقدم إلى الأمام تبدأ باحتفاظ الجميع بهدوئهم إزاء استفزازات الصين الخارجية، وقرع طبول النعرات القومية في الداخل. وليس هناك ما يشير إلى مواقف متطرفة موحدة تتبناها الحكومة بالكامل والحزب الشيوعي، حيث تعتزم الصين التقدم إلى الأمام في هذا السياق سريعا. بل إن أنشطتها في بحر الصين الجنوبي تبدو على مدى الأعوام الثلاثة الماضية، وفقاً لتقرير ممتاز صادر في نيسان (أبريل) عن مجموعة الأزمات الدولية، ناشئة عن مبادرات غير منسقة من قِبَل جهات فاعلة محلية عديدة، بما في ذلك حكومات محلية، ووكالات إنفاذ القانون، وشركات طاقة مملوكة للدولة، وجيش التحرير الشعبي.
والخطوة الإيجابية التي تستطيع أميركا أن تتخذها والتي سيرحب بها العالم أجمع تتلخص في التصديق أخيراً على اتفاقية قانون البحار، التي لا بد أن تشكل مبادئها الأساس للتقاسم السلمي للموارد ـــ في بحر الصين الجنوبي، كما في أي مكان آخر. والواقع أن مطالبة المرء للآخرين بأن يفعلوا كما يقول لن تكون مجدية أبداً مثل مطالبتهم بأن يفعلوا كما يفعل.
خاص بـ «الاقتصادية»
حقوق النشر: بروجيكت سنديكيت، 2012.