القصيبي مع الطريقي والعليان في كليات الإدارة
عيدكم سعيد، وكل عام وأنتم بخير..
الخامس عشر من أغسطس
لو سألت طالبا جامعيا يدرس في أروقة إحدى كليات الإدارة عن فوزان السابق أو عبد الله الطريقي أو سليمان العليان أو ناصر المنقور، فماذا تتوقع أن تكون إجابته؟ الأغلب أنه سيهز كتفيه نافيا المعرفة. ولو ُطرح سؤال عن غازي القصيبي بعد أعوام من الآن على أمثال ذلك الطالب، فهل يا ترى ستكون إجابته أفضل من سابقيه؟
عاد بي شريط الذكريات إلى الوراء منذ لحظة عملي في مجلة ''اليمامة'' والمقابلات التي أجريتها بكل شغف ولهفة مع الشيخ سليمان العليان، والشيخ ناصر المنقور، والدكتور غازي القصيبي، وغيرهم، إلى لحظة خروجي من أمسية ''غازي في عقولنا''. تلك الليلة التي أحيا فيها محبو الرمز الدكتور غازي القصيبي في مقهى ''بوكتشينو'' في الرياض ذكرى رحيله الثانية (15 أغسطس). ليلة استضافت نجله سهيل متحدثا عن جوانب شخصية وإنسانية لوالده، مسبوقا بكلمة لصاحب مبادرة ''غازي في عقولنا'' الزميل الإعلامي المبدع خالد أبوشيبة.
بعد خروجي من مقر الفعالية، تساءلت: إذا كانت مدارسنا وكليات الآداب مشغولة بسير طه حسين والعقاد والمنفلوطي دون الأدباء السعوديين! فهل ستظل كليات الإدارة في جامعاتنا على نهج نظيراتها مشغولة بغيرنا؟ هل ستظل محجمة عن تدريس سير القادة الإداريين السعوديين الذين خدموا الوطن من خلال الوظيفة العامة؟
وكما أن خدمة الوطن لا تنحصر على القطاع العام، فإن التساؤل أخذ يتمدد ويتفرع: لماذا لا تقرر كليات الإدارة سير رجال المال والأعمال السعوديين الذين نهضوا بالاقتصاد الوطني على طلابها؟
ليس لتلك الكليات من عذر، فالمكتبة السعودية تزخر بسير ''ذاتية'' وسير ''غيرية'' لأعلام سعوديين مؤثرين في القطاع العام أو الخاص. فمن السير الذاتية كتاب ''حياة في الإدارة'' لغازي القصيبي (وزعت منه نسخ بعد انتهاء الفعالية)، وهناك كتب أخرى مثل ''وسم على أديم الزمن.. لمحات من الذكريات'' لعبد العزيز الخويطر، و''قطرات من سحائب الذكرى'' لعبد الرحمن السدحان، و''ما لم تقله الوظيفة'' لمنصور الخريجي، و''أيام من حياتي'' لزهير السباعي، و''ذكريات نصف قرن'' لعبد الله القرعاوي.
ومن الأمثلة على السير الغيرية كتاب ''من عنيزة إلى وول ستريت'' الذي كتبه مايكل فيلد عن سليمان العليان، وكتاب ''عبد الله الطريقي.. صخور النفط ورمال السياسة'' الذي كتبه الزميل محمد السيف، وهو أيضا صاحب كتاب ''سيرتُهم: صفحات من تاريخ الإدارة والاقتصاد في السعودية''، حيث وثق كتابه سير أعلام سعوديين، هم: الشيخ عبد العزيز التويجري، والشيخ عبد الرحمن السبيعي، والشيخ عبد اللطيف العيسى، والدكتور منير العجلاني، والأستاذ صالح العمير، والأستاذ محمد الطويل.
السابع من سبتمبر
مطلع الشهر المقبل، يكون قد مر على رحيل الشيخ الوزير عبد الله بن حمود الطريقي (أبو صخر) 15 عاما (1997)، أتمنى أن نتذكر هذا الرجل الوطني المخلص بمبادرة لا تقل أهمية عن مبادرة ''غازي في عقولنا'' بالتعاون مع أسرة الراحل.
الطريقي ولد عام 1918م في الزلفي ونشأ فيها. ويعد أول مبتعث سعودي للدراسة إلى أمريكا، حيث حصل عام 1947م على الماجستير في الجيولوجيا وهندسة البترول من جامعة تكساس، وتدرب في عدد من شركات البترول الأمريكية قبل أن يعود إلى بلده عام 1948، وبعد ذلك أصبح أول وزير سعودي يتولى وزارة البترول والثروة المعدنية، حيث نجح في تأسيس منظمة ''أوبك'' وفرعها العربي ''أوابك''.
عاش نظيفا ومات عفيفا، ولقب بـ ''البترولي الفقير'' و''الوفي الأمين''. كان - رحمه الله - ذا حس إداري عال، يدافع باستماتة عن العرب ومواردهم واقتصادياتهم. فهو القائل ''نفط العرب للعرب'' داعيا إلى الوحدة الاقتصادية العربية وتعزيز التجارة البينية العربية واستغلال اليد العاملة العربية قبل أن تقوم قائمة للاتحاد الأوروبي!
أمنية قبل الختام
شخصيات كثيرة خدمت الوطن، ولا يمكن حصرها في هذه المقالة، شخصيات بنت مجدا سعوديا، نهضت بالاقتصاد، وأسهمت في التنمية وحافظت على المال العام. أتمنى من جامعاتنا السعودية أن تحتفي بهؤلاء، فهم يستحقون منا التكريم أحياء أو أمواتا، على الأقل نقرر على طلاب كليات الإدارة سير ومذكرات رجال الإدارة والمال والأعمال السعوديين، هؤلاء قامات شامخة خدمت الوطن بكل إخلاص وأمانة وهي جديرة بأن تقتدي بها الأجيال الناشئة، حتى لو علمنا أن منهم من عاش بعد المنصب وحيدا، ومنهم من لاقى الجحود في حياته أو تعرض للتصنيف أو التهميش، وكثير منهم لو عاش في الغرب، لقدروهم حق قدرهم، وربما نصبوا لهم ''التماثيل'' تخليدا لذكراهم وخدماتهم الجليلة!