قرارات جادة لمواجهة البطالة
تكرم رئيس مجلس الغرف الأخ عبد الله المبطي بدعوتي، وبعض رجال الأعمال، للمشاركة في الحوار الوطني الذي تقيمه وزارة العمل مع ممثلي القطاع الخاص وممثلي العمال يومي الثلاثاء والأربعاء لدراسة تخفيض ساعات العمل الأسبوعي وجعل الإجازة يومين. وتمنيت أن أشارك في هذا الحوار. وذكرني هذا الاجتماع بما كان يقوم به الأمير نايف بن عبد العزيز، طيب الله ثراه، من ترأس والمشاركة في جلسات مجلس القوى العاملة بين القطاعين. رحم الله الأمير رحمة واسعة، فكان يذكرنا دائما كرجال أعمال أن حق المواطن في العمل والعيش عيشة كريمة هو أساس الأمن، وأن البطالة تفتح أبواب عديدة في أي وطن لا تستطيع أي حكومة أن تحلها وحدها ولكنها تضع الضوابط والمحفزات حتى يستثمر المواطن في وطنه وأن يُشغل غيره من أبناء الوطن وبهذا تكتمل المعادلة. ومن العدل أن تسمح الدولة لجميع الأطراف بالمشاركة في بحث هذا الموضوع. ولا أعلم إذا كان العمال غير السعوديين مشاركين في هذا الحوار أم لا يعنيهم، مع أن نظام العمل لا يفرق بين المواطن وغيره في المعاملة والحقوق، طبقا للشرع وطبقا للاتفاقيات الدولية.
من حق العمالة الوطنية أن ترفع صوتها بالمطالبة، كغيرها من البشر في أن تأخذ يومين راحة وأن تعمل 40 ساعة في الأسبوع. ومن حقها أن تطالب أن يدفع لها أجر إضافي عن أي ساعات عمل أكثر من الساعات اليومية المقررة، ثماني ساعات عمل، دون أوقات الصلاة والراحة. ويأتي السؤال وهل سيعطى العامل غير الوطني الحقوق نفسها؟ إن هذا سيرفع من تكلفته خصوصا أن معظم الشركات والمؤسسات الصغيرة يوجد فيها عمالة وطنية تعد على الأصابع؟ نعم العمل هو العمل ولا يمكن أن نميز بين عامل وآخر لجنسيته، فمن يقوم بالعمل نفسه يحصل على الحقوق نفسها. وقد يقنع هذا القرار ويشجع البعض مع مرور الوقت على تشغيل المواطن لأنه أولى بالعمل من المستقدم وأرخص تكلفة وأفضل للاقتصاد الوطني.
40 ساعة عمل في الأسبوع ويومان إجازة يطبقان في كثير من الدول المتقدمة التي تضع حق المواطن فوق حق المستثمر وفوق ذلك يدفع المستثمر ضرائب على الأرباح وعلى المبيعات، ومع هذا يصدرون للعالم ويعمل ويعيش المواطن هناك حياة كريمة مريحة مع عائلته وفي وطنه، لذلك لا يسمحون بالاستقدام أو الإقامة الدائمة إلا للوظائف المتخصصة أو الأعمال التي ليس لديهم العدد الكافي من المواطنين للقيام بها كأعمال النظافة العامة مثلا. إن الفرق بيننا وبينهم أنه جاءتنا طفرة أولى ولم نستفد منها واضطررنا إلى الاستقدام سواء للخبرات أو القدرة أو لسد وظائف يرى البعض أنه من العيب العمل فيها ثم وجدنا أن هناك مجالا للكسب غير المشروع بإحضار عمالة ونتركها تعمل لدى الغير مع تحملها تكاليفها وأيضا تدفع أتاوة لصاحب التأشيرة. واستغل البعض ذلك وأصبحنا نستقدم بالآلاف ليس لحاجتنا في المنزل أو العمل بل للاستثمار في هذا المجال ووجدنا أيضا أن بعض هذه العمالة تستطيع أن تحضر بالتكافل بعض المال وبدأنا في التستر سواء في شركات المقاولات أو التجزئة أو غيرها، وهذا باب أكثر دخلا وأعلى خطورة، لذلك فإن كثيرا من السجلات التجارية الصغيرة ناشئة في مدن صغيرة لا توجد فيها أعمال تكفي لعدد العمالة المستقدمة، ولكن كل واحد يساعد ربعه بطريقة نظامية ثم يخالفون جميع الأنظمة. لذلك سترتفع أصوات عالية تنذر بسقوط المؤسسات الصغيرة والمتوسطة أيضا، أصوات عالية أخرى من شركات كبيرة مختلفة الأعمال أنها ستخسر وأنها سترفع أسعارها وأن الصادرات ستتوقف وأن القيامة ستقوم لأن لديهم نسبا منخفضة من العمالة الوطنية ومن حقهم أن يدافعوا عن مصالحهم ولكن هل على الدولة تنفيذ طلباتهم فوق مصلحة المواطن والوطن؟
أصحاب المصالح أقوياء وأصحاب نفوذ ويؤثرون أو يمانعون في أي قرار يؤثر في مصالحهم دون النظر لمصلحة المواطن العاطل والبائس ومشروع الضريبة على الأراضي البور والأراضي الشاسعة في النطاق العمراني أكبر دليل، فهل الدولة أيضا ستسمح لهؤلاء بأن يؤثروا في قرارات تشغيل وتحفيز المواطنين والمواطنات على العمل أو ستدفع ثلاثة أو أربعة آلاف ريال شهريا لكل مواطن ومواطنة عاطل حتى لا يبقى رصيد في صندوق الدولة؟
إنني أعرف أن هذا المقال لن يسر كثيرا من رجال الأعمال وأنا منهم ولكن كفانا تجاهلا لقضايانا الرئيسية ولن تنجح الدولة في حل البطالة وحدها دون التنظيم والمشاركة الفعلية لكل صاحب عمل.
لا شك أن تنفيذ القرارات المقترحة سيكون على سنتين أو ثلاث سنوات بالكثير حتى تكون هناك جدية في التنفيذ وأن نقسم الأعمال حسب طبيعتها وهذا مجال كبير متروك لخبراء مجلس الغرف والوزارة ومجلس الخبراء، على ألا تستثنى أي مجموعة.
والحجة الكبرى وفيها جزء من الحقيقة أن هذه القرارات سترفع التكلفة وستؤدي إلى تضخم وسيتحمل المواطن هذه التكلفة، فيا سبحان الله يرتفع اليورو مقابل الدولار ويتحمل المستهلك الزيادة، وتزداد أسعار المواد الخام أو المنتجات المستوردة وترفع الأسعار على المستهلك بـ 10 و15 في المائة ولا حياة لمن تنادي لأنها زيادة فعلية عالمية، وترفع شركة الكهرباء أسعارها على المصانع ويرفع بعضهم أسعارهم على المستهلك ولكنها زيادة مبررة، ويرفع أصحاب العقار أسعارهم بـ 10 و30 في المائة ويتحملها المستهلك ولكنها زيادة لا توجد ضوابط لها من الدولة لذلك فهي زيادة مرفوضة لكن يتحملها المستهلك أو يغير مسكنه أو متجره لأن العقار حر. هذا هو السيناريو الذي نعيشه فلماذا ولو لمرة واحدة في حياتنا لا نقبل الزيادة بسبب إعطاء العمالة حقوقها المشروعة دوليا. إنه ليس المستهلك الذي يتباكون عليه بل مصالحهم الشخصية.
إن القرار النهائي هو قرار الدولة ولن نوظف مئات الألوف من الشباب والشابات القادمين لسوق العمل إلا بالحزم والرؤية الواضحة.
أتمنى قرارا من مجلس الوزراء بجعل الإجازة الأسبوعية للقطاعين الحكومي والخاص يومي الجمعة والسبت وأن تكون ساعات العمل 40 ساعة في الأسبوع وأن يفرض توظيف مواطن في كل نشاط تجزئة كمحاسب/ كاشير وألا يقفل المحل خلال سنتين وأن تحدد ساعات العمل في التجزئة والأسواق بعشر ساعات كحد أقصى وأن نقدم المساعدات والتدريبات لنؤهل المواطن ليكون هو العامل وصاحب العمل بدلا من التستر. أعان الله معالي وزير العمل.