حين يبيع الطفل الحلوى

يطل الفقر بوجهه الكئيب الموحش على الناس،فيحرمهم الكثير،ويسبب لهم العديد من المشاكل الاجتماعية والسلوكية...
الفقر قطار عنيف لا يتجاوز أحدا أثناء مروره اللئيم فيصيب الجميع بأضرار جسيمة،ولا يرحم إطلاقا.
حتى الأطفال-وهم المعنيون بهذا المقال- لم يسلموا من شره المستطير؛فهم يتضررون من الفقر بطريقة مباشرة وغير مباشرة.
فهم لا يتخلون عن أحلامهم إلا قسرا،وبعد فترة من الزمن المجدب يبدأ الطفل يعي ما حوله، ويستوعب بأن الفقر يضرب أطنابه في صحراء حياته،وبأن الفقر يضرب حصارا كبيرا على السعادة فلا يسمح لها بالتسلل إلى حياته.
بينما نجد أن الأهل مشغولون بتوفير أساسيات الحياة ومع ذلك قد لا يحققونها! قد يصل الأمر للجوع وعدم توفير الملابس الملائمة لذا فمن الطبيعي أن ينشغلوا عن توفير الكماليات التي تفرح الطفل أو توفير الوقت الذي يلازمون به أبنائهم كي يمرحوا معهم ويستمتعوا بأوقاتهم.
في ظل هذه الظروف تلجأ بعض الأسر إلى إخراج أبنائهم من المدارس كي يعملوا وذلك تحت وطأة الحاجة...
وهذا يسبب خللا كبيرا في المجتمعات،فالطفل الذي يعيش طفولته بسعادة وأمان ينشأ بشكل مغاير لمن عاش طفولته بقسوة وحرمان.
الأطفال المحرومين إذا كبروا لا يكونون أقوياء بل عالة على أنفسهم وعلى المجتمع... نجيب محفوظ حين رأى طفلا أمام إشارة المرور يبيع الحلوى.. بكى ثم كتب: أحلام الأطفال قطعة حلوى...وهذا طفلٌ يبيع حلمه!!!
المؤلم أيها القراء الأعزاء؛حين لا يكون هناك فقر ولا ظروف تمنعنا من الاحتفاء بالأطفال وتوفير الرعاية والحب والاهتمام،ولا يوجد ما يمنع منحهم الوقت،وتحقيق بعض أحلامهم الطفولية..ومع ذلك لا تتم كل هذه الأمور!! لماذا وبكل بساطة تصادر هذه الحقوق المشروعة،بل والواجبة لكل طفل؟
تربينا على انشغال الأسر عن أبنائها،وعدم احترامهم وعدم تقديرهم،والامتناع عن الاستماع إليهم بشكل لائق.
في وطننا يتذرع البعض بأن الظروف تغيرت،وهذا إدعاء ليس صحيحا على إطلاقه،فقد كان معظم الآباء والأمهات يمارسون سلبا لحقوق أبنائهم في وضح النهار وأمام مجتمع لا ينكر عليهم،بل على العكس من يراعي أبناءه ويدللهم ويتعامل معهم برقي وحضارة هو من يعد غريبا على تركيبة المجتمع.
نعم الظروف تغيرت،ولكن الفكر السائد في التعامل مع الأطفال ليس وليد اللحظة بل هو متأصل في الغالب بين أفراد المجتمع...
حاليا؛حين نشط الفكر،واستيقظ الوعي،وتنبهت الحواس،وتمردت الثقافة على الفكر القديم.أصبح الجميع تدريجيا يعيد للطفل حقوقه بشكل متوازن؛بلا إفراط أو تفريط.
فبعض الآباء حديثي الأبوة لا يرفضون طلبا لأبنائهم،ويبالغون في دلالهم ولا يحملونهم مسؤولية ظنا منهم بأن ذلك يريحهم من وخز الضمير بسبب عدم تواجدهم معهم وغيابهم عنهم فترات طويلة.الأمر الذي يأتي بنتائج عكسية.
وعلى النقيض من ذلك يقف بعض الآباء موقفا متشددا مع أبنائه زاعما بأن تحميلهم المسؤولية كاملة،ومعاملتهم بخشونة تخلق منهم أشخاصا قادرين على السير في دروب الحياة الوعرة،والتعامل مع مختلف أنماط البشر،وهذا أيضا ليس صحيحا على إطلاقه...
كل مرحلة لها خصائص نفسية وجسدية وسلوكية مختلفة عن بقية المراحل،معرفة الوالدين والمربين بهذه الأمور يجعلهم يمتلكون القدرة على التعامل مع الأطفال بصورة مثالية وإعطائهم حقوقهم كاملة دون مصادرة،مما يجعل أبناءنا يعيشون وهم أقوياء متزنون محبون للخير وللجمال وللعطاء.
كل قيمة عالية ونبيلة تغرس في نفوس الأطفال سيجني ثمرها المجتمع والوطن.
فقط امنحوهم حقوقهم الصحية والتعليمية والاجتماعية والترفيهية...

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي