كليات البنات .. مؤسسات أكاديمية من الدرجة الثانية
عرضت في سلسلة مقالات سابقة نبذة عن الترهل الذي أصاب جامعاتنا في الآونة الأخيرة، حيث بينت في المقال الأول تعريف الترهل الإداري حسبما هو متوافر في أدبيات إدارة الأعمال وكيف أصيبت به الكثير من جامعاتنا من حيث لا تدري، ثم بينت بعض أعراضه وقدمت بعض المقترحات التي قد تفيد لتقليص تأثيره ومن ثم التخلص منه. أما المقال الثاني فقد كان مقتصرا على وضع كليات المجتمع التي ابتلت بها الجامعات وأثقلتها وأصابتها بالترهل المبكر وبينت كيف يمكن معالجة الأضرار التي لحقت بالجامعات نتيجة ضم كليات المجتمع وقدمت عدة مقترحات منها وضع كليات المجتمع تحت مظلة هيئة مستقلة فبوضعها الحالي ضررها أكثر من نفعها وستفاقم مشكلة التعليم العالي وستقيد مسيرة الكثير من الجامعات. أما المقال الثالث فقد كان مخصصا لمناقشة وضع كليات المعلمين، التي تنظر إليها الجامعات على أنها مؤسسات دخيلة أرهقت كاهلها وقيدت حركتها وأضرت بمسيرتها كثيرا، وقد تكون السبب الرئيس للترهل الحالي الذي تعيشه الجامعات. وبقى لنا كليات البنات التي تم ضمها هي أيضا للجامعات بعد أن كانت تحت مظلة الرئاسة العامة لتعليم البنات سابقا.
ولا ندرى من وراء فكرة ضم المؤسسات الأكاديمية جملة واحدة بهذه الطريقة العشوائية، فكل مؤسسة لها رسالتها ولها أهدافها وتخدم شريحة هي تعرفها، لكن عندما تم ضم أغلبية هذه المؤسسات تحت مظلة التعليم العالي فقدت كل مؤسسة بريقها، وضاعت هويتها، وتشابكت برامجها وليس هناك حل سوى أن تعود تلك الأوراق إلى أغصانها ثم تعيد بناء ذاتها.
نعود لموضوع المقال فنقول إن أثر كليات البنات في مؤسسات التعليم العالي لا يقل عن الأثر الذي أحدثته المؤسسات الأخرى التي ضمت للتعليم العالي ككليات المعلمين وكليات المجتمع إلا أن كليات البنات تختلف في أن برامجها تتفق الى حد ما مع برامج الجامعات. حتى تتضح لنا الصورة أكثر دعونا نلقى الضوء على الوضع الحالي لكليات البنات بعد موجة الدمج غير المسبوقة. تضم الجامعات في الوقت الراهن صنفين من كليات البنات، الصنف الأول عبارة عن مؤسسات أكاديمية تتبع في الأصل الجامعات وتعد جزءا منها وتعاملها الجامعات بطريقة وبوضع يختلف عن بقية كليات البنات فلها الأولوية في التصنيف والميزانية وتنظر إليها الجامعات على أنها جزء من منظومتها، وهي لا تختلف كثيرا في الوضع التنظيمي والحوافز والأجور عن بقية الكليات، إلا أنها تأتي بعد كليات البنين. أما الصنف الثاني فهي الكليات التي كانت تتبع الرئاسة العامة لتعليم البنات التي أنشئت على غرار كليات المعلمين التابعة للتربية والتعليم بهدف تغذية مدارس البنات بالمعلمات عندما كانت تعاني مدارس الرئاسة نقصا شديدا في المعلمات وعندما تحقق الهدف وأدت هذه الكليات دورها تخلت عنها رئاسة تعليم البنات وقذفتها إلى التعليم العالي كما فعلت التربية والتعليم (المعارف سابقا) عندما قذفت بكليات المعلمين إلى التعليم العالي بعد أن قضت منها وطرا.
ونحن نرى الجامعات تنظر إلى الصنف الأول على أنه جزء من منظومتها وتأخذ بعض حقوقها من الميزانية والوظائف والبنية التحية، أما الصنف الثاني (كليات الرئاسة) فتعتبر مؤسسات دخيلة عليها ونبت غير مرغوب فيه وتفضل اجتثاثه من جذوره قبل أن يحين حصاده وتعد مصدر إزعاج وعبئا يثقل كاهل الجامعات، خصوصا أن أعدداها تفوق بكثير أعداد الكليات التقليدية للجامعات من بنين وبنات، لذا نراها تعاملها كمؤسسات من الدرجة الثانية وينظر إليها بدونية لدرجة أن صفوة الطلاب والنخب من أعضاء هيئة التدريس ومن في حكمهم يوجهون إلى الكليات التقليدية للجامعة، أما كليات الرئاسة فلا يتبقى لها سوى بقايا الموارد البشرية والميزانية والبنية التحتية، والذي فاقم الأمر وزاد الهوة أن الجامعات لم تقم حتى حينه بدمج الكليات المتناظرة، فالذي حدث لا يتعدى عزل كليات الرئاسة في مبان مستقلة بعيده كل البعد عن النواحي التشغيلية والخدمات الأساسية.
نعود ونقول إن ضم كليات الرئاسة للجامعات ساهم في إصابة الجامعات بالترهل إلا أن علاجها أسهل من وضع كليات المعلمين وكليات المجتمع ومن الممكن أن تبقي تحت مظلة الجامعات شريطة أن تدمج برامجها وتتشابه خططها مع الكليات التقليدية وأن تعطى كليات الرئاسة نفس الكم المعرفي والعلمي والاهتمام الذي يقدم للكليات التقليدية للجامعات بما يتناسب وعاداتنا وثقافتنا. أما الوضع الحالي فأرى أنه يحتاج إلى إعادة تقييم - فعلى سبيل المثال - تدريس الطالبات عن طريق الشاشة التلفزيونية المغلقة لا يمكن أن يكون مناسبا في جميع الأحوال. فبعض المواد تحتاج إلى استيعابها إلى تفاعل مباشرة بين الأستاذ/ الأستاذة والطالب/ الطالبة، فإذا كانت هناك صعوبة في ردم هذه الفجوة فليفصل تعليم البنات الجامعي (كليات الرئاسة وكليات الجامعات) عن تبعيته للذكور ويوفر لهم أعضاء هيئة تدريس نساء، فجودة التعليم والفرص بوضعه الحالي ليس متكافئاً حتى كليات البنات التابعة أصلا للجامعات رغم أنها أفضل بكثير من كليات الرئاسة إلا أنها لم تأخذ حقها من الاهتمام أسوة بكليات الذكور.
هذه بعض المقترحات أضمها إلى ما ذكرته من قبل في سلسلة مكافحة ترهل الجامعات أتمنى أن تأخذ حقها من الدراسة كي نخلص جامعتنا من الترهل الذي أصابها وأنا أعلم أن الكثيرين غير مدركين له ولا يرون أنه السبب الرئيس لأغلبية الأمراض والعاهات الإدارية التي نراها تعصف بالجامعات.