إشراك المواطنين في الرقابة يسهم في تحقيق النزاهة

تعد الرقابة من الأمور التي تمس الكيان التنظيمي للوطن. ومن أجل الحفاظ على مكتسبات الوطن، ومنع وقوع الضرر سواء في الجانب الاقتصادي أو الاجتماعي، قامت الدولة بإنشاء أجهزة متخصصة للرقابة على الجهات والشركات العامة، كديوان المراقبة العامة، وهيئة الرقابة والتحقيق، والهيئة الوطنية لمكافحة الفساد، وذلك للتأكد من أن الأهداف تنجز حسبما خطط لها، والتأكد من سلامة تطبيق الأنظمة واللوائح التي تحفظ للوطن أمواله، ولاتخاذ الإجراءات التصحيحية.
ولم تعد الرقابة مقتصرة على هذه الجهات الرقابية في المملكة، بل تطورت لتشمل أنواعا ونماذج أخرى منها الرقابة القضائية لديوان المظالم ورقابة مجلس الشورى، كما ظهر ما يعرف بالرقابة الوقائية داخل الجهات الحكومية كإدارات أو وحدات للمراجعة داخلية ترتبط برؤساء الجهات الحكومية بعد صدور اللائحة الموحدة لوحدات المراجعة الداخلية الصادرة بقرار مجلس الوزراء رقم 129 لعام 1428هـ، كما قامت عدد من المنظمات والمؤسسات بالتعاقد مع مكاتب أهلية مستقلة للتدقيق والمراجعة، فأسهمت هذه الإدارات والمكاتب المتخصصة في المراجعة في تقليل الهدر الزمني والمادي، وأصبحت الجهات الحكومية قادرة على سرعة اكتشاف أوجه القصور قبل تفاقمها وعلاجها بأقل الخسائر.
وتعد رقابة المواطنين، أو ما يسمى في بعض الدول بالرقابة الشعبية أو الرقابة المجتمعية، نوعا من أنواع الرقابة الخارجية التي أصبح لها تأثيرها وبدأت بعض الجهات الحكومية التي تقدم خدمات للجمهور في الاستفادة منها وقطف ثمارها، خصوصا أن هذا النوع لا يحتاج إلى توفير وظائف وتكاليف مالية عالية، وإنما يتطلب فقط الاستفادة من المواطنين والنظر إليهم كشركاء وتمكينهم من القيام بدور رقابي إيجابي من خلال مساهمتهم في الكشف والإبلاغ عن المشكلات وجوانب القصور في الخدمات التي تقدمها الدولة أو الشركات المنفذة للمشاريع الحكومية أو المستثمرين المرخصين لمزاولة الأنشطة والمهن وتقديم الخدمات للمواطنين.
ويمكن للجهات الحكومية الاستفادة من هذا النوع وتعزيز الشراكة مع المواطنين في عملية الرقابة، من خلال تبني مجموعة من الإجراءات، يأتي في مقدمتها الاستفادة من آليات ووسائل الاتصال الحديثة بأشكالها المختلفة الخطية أو عبر الهاتف أو الإيميل أو مواقع التواصل الاجتماعي، وزيادة التواصل مع المواطنين، وإعطاء الأولوية لتلقي أكبر عدد من الشكاوى والبلاغات المقدمة منهم، ودراستها ومعالجتها واتخاذ الإجراءات التصحيحية والتطويرية، وإفادتهم بما تم على بلاغاتهم ومقترحاتهم لتحفيزهم على الاستمرار والمزيد من التعاون.
وقد بادرت بعض الجهات الحكومية، ومنها الهيئة العامة للسياحة والآثار ووزارة التجارة والصناعة، في الاستفادة من المواطن وإشراكه في المساهمة في ممارسة الرقابة على الأنشطة والمهن التي تشرف عليها، فأصبح المواطن شريكا للهيئة العامة للسياحة والآثار في الرقابة على الفنادق والوحدات السكنية المفروشة وغيرها من مرافق الإيواء السياحي، وكذلك في حماية الآثار والمحافظة عليها، وذلك نتيجة لما قامت به الهيئة من بناء شراكة إيجابية مع المواطنين تقوم على الشفافية والانفتاح. ونظرت إليهم على أنهم شركاء وخصصت لهم رقما مجانيا تفاعليا ووضعت آلية تنظيمية متكاملة للتعامل مع البلاغات والشكاوى تتضمن إفادة للمواطنين خلال فترة قصيرة، فوفرت متطلبات نجاح هذا النوع من الرقابة. وكذلك الأمر مع وزارة التجارة والصناعة التي نرى وزيرها الدكتور الربيعة يتواصل مع المواطنين بنفسه عبر مواقع التواصل الاجتماعي ونسمعه يقول: إن جميع المواطنين هم مراقبون وشركاء للوزارة، وخصص إدارات تضم كفاءات قانونية وإدارية للتعامل مع البلاغات. ويمكن لمن يرغب في معرفة المزيد عن استفادة هاتين الجهتين من رقابة المواطنين زيارة مواقعهما الإلكترونية.
ولعل ذلك يحفز الجهات الأخرى، التي لم تطبق هذا النوع من الرقابة أو طبقته بشكل محدود، إلى الاهتمام به وتطبيقه مع توفير مقومات ومتطلبات نجاحه، ومنها توفير المزيد من الشفافية والانفتاح بين هذه الجهات وبين المواطن، والنظر إلى المواطن على أنه شريك، فإذا أُشرك المواطن سيجد المسؤول عمله متابعا من قبل المواطنين، كما سيجد من يساهم معه في كشف مواطن الخلل وجوانب القصور، وبذلك تتحقق الرقابة بشكلها الصحيح وتتحقق الأهداف المؤملة منها ومن ضمنها المساهمة الإيجابية في تحقيق النزاهة والوقاية من الفساد.
ولعل من الأهمية بمكان الإشارة إلى أن رقابة المجالس البلدية تعتبر أنموذجا من نماذج إشراك المواطنين في الرقابة على إدارة العمل البلدي، انطلاقا من أن نصف أعضاء تلك المجالس يتم انتخابهم من المواطنين، وبالتالي مفوضون بالتعبير عن رغباتهم. ومن المؤمل أن يستمر هذا التطوير التدريجي في العمل الرقابي في المملكة، ونرى ظهور تطوير وتعزيز في إشراك المواطنين في الرقابة، سواء على مستوى الأفراد أم على مستوى مؤسسات المجتمع المدني بعد إقرار مشروع نظام المؤسسات والجمعيات الأهلية، الذي نأمل أن يرى النور قريبا. كما نؤمل أن يحدث تطوير في الرقابة التشريعية التي يمارسها مجلس الشورى، وأن تُعزز صلاحيات هذا المجلس لمراقبة عمل السلطة التنفيذية، وأن تتجاوز مرحلة المشاركة في الرقابة على تقارير الجهات السنوية لتصل إلى مرحلة أكثر نضجا، ونرى المفهوم الحقيقي للرقابة التي تمارس من قبل السلطات التشريعية.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي