إدارة المعرفة في عصر الانترنت
على مدار التاريخ كان نسبة من يتعاطون مع المعرفة انتاجاً واستهلاكاً أقل بكثير ممن لا يفعل ذلك غالبية الناس كانت مشغولة بلقمة العيش ولم يكن لديها الوقت والقدرة للانصراف للعلم. كان من المعتاد أن تجد في حواضر العالم الإسلامي مثل دمشق وبغداد والقاهرة الكثير الكثير ممن لم يقرأ حرفاً في حياته.
مع التقدم الكبير في التقنية و وسائل التواصل والنشر, من اختراع الألة الطابعة إلى ظهور الصحف والقنوات التلفزيونية إلى الكمبيوتر إلى الانترنت و الأجهزة الذكية, تغير الحال ىكثيراً, بحيث يمكن القول أن الواحد منا لا يقل تعاطيه مع المعلومات عن خمس ساعات يومياً. هذه الساعات موزعة على متابعة توتير وقراءة الصحف ومشاهدة الأخبار واليوتيوب وقراءة رسائل الواتس أب !!.
يشتكي كثيرون ليس من قلة المعلومات وإنما من تضخمها, لا يدري الواحد هل يتابع السباق الرياسي في أمريكا أو الازمة الاقتصادية في أوروبا أو معاناة أخوانا في سوريا فرج الله عنهم ما بهم أو أو توتير أو تعد سابقة في تاريخ البشر أن يحمل الواحد منا جوالاً يستطيع من خلاله يتواصل مع من يشاء على وجه الأرض, ويقرأ الاخبار ويشاهد اليوتيوب.
هذا التدفق الكبير في المعلومات أفقد الكثيرين القدرة على التوازن! يحاول الواحد أن يذاكر لاختبار فتشتته راسائل الواتس أب! أو يريد أن يبحث عن معلومة في الانترنت فينتهي به الأمر ساعات أمام شاشة الكمبيوتر.
آشبه كثيراً حال معظم الناس مع التدفق الهائل للمعلومات، بشخص دخل مكتبة كبيرة جداً عامرة بمختلف الكتب والمجلات و آراد آن يمر على آكبر قدر ممكن من المعلومات، فآخذ ينتقل من كتاب الى آخر ، يقرآ من كل كتاب يقع في يده صفحة. وانتهى به المطاف أن لديه معلومات ضخمة جداً لكنها مبعثرة و منزوعة من سياقها. ليس من المستغرب آن تلتقي بشخص لديه معلومات محدودة عن السياسية والطائفية والاقتصاد والرياضية لمنها لا تمده بالقدرة على تحديد ما ه،ب صواب و ما هو خطآ. آصبح لدينا الكثير ممن تشوهت عقلياتهم ننظراً للطريقة العشوائية التي يتلقون بها المعرفة.
سأحاول في هـذه التدوينة تناول هذه الاشكالية من خلال المحاور التالية :
1 - مواقع التواصل الاجتماعي هل تنمي المعرفة أم تشتتها ؟
مواقع مثل الفيس بوك و توتير أو انستجرام أو برامج مثل الواتس أب, أصبحت زيارتها واجباً يومياً للكثيرين, فهي توفر بيئة حرة لتبادل الأراء و الأفكار بعيداً عن سلطة السياسي و رقابة الاجتاعي, أيضاً تتميز هذه الموقع بتوفير خدمة الردود و التعليق, مما يجعل المخرط فيها مشاركاً مشاركة ايجابية و ليس سلبية.
ساعدت هذه المواقع على تسريع وتيرة الحراك الفكري و الثقافي لكنها من جهة تستهلك جزءا ليس بالقليل من وقت الواحد منا في التعقيب و المتابعة.
تعتبر هذه الواقع من آكثر ما يشتت الناس معرفياً نظرا لطبيعتها الترابطية، رابط يحيل الى اخر. برآيي الشخصي آن التقليل منها آفضل لمن آراد آن يبني نفسه معرفياً بشكل سليم.
2 - هل الأولية للمبتدئ التنوع المعرفي أم التخصص ؟
تضاعف المعرفة في هذا العصر شيء كبير جداً, كل يوم تقذف المطابع و المواقع الالكترونية بالجديد من الكتب و تتنافس القنوات الفضائية باستضافة المختصين و الخبراء.
هل من المفروض أن ينوع الواحد منا معارفه بين أخبار و أدب و تاريخ و سياسية أو يقتصر على مجال معين في مجالات المعرفة حتى يستطيع أن يقدم شيئا ذا بال.
لطارق السيودان معادلة لطيفة في ذلك, يرى آن يقسم الواحد جهده في تلقي المعرفة إلى نصفين: نصف موجه إلى تخصص ما و قسم موجه إلى مجالات عديدة, إذا كان الواحد منا يجلس أمام النت ساعاتين في اليوم, يكون ساعة موجة إلى تخصصه يحبه و يبدع فيه, و ساعة منوعة في مجالات مختلفة.
أيضا إذا كان يقرأ أربعة كتب في الشهر, يجعل كتابين في مجال معين و كتابين في مجالات مختلفة.
تمحور حرص الشخص على مجال معين يمنحه الفرصة على تراكم المعرفة و اكتساب عمق معرفي بينما تنويع مجالات الاهتمام يوسع آفاق الشخص المعرفية.
3 - هل تغني المواد المرئية و المسموعة عن القراءة ؟
الحصول على المعرفة لم يعد مقصورا على القراءة , بإمكان الواحد منا أن يشاهد أفلاماً وثائقية أو يتابع برنامجاً حوراياً لينمي معرفته أو يستمع إلى نشرات الأخبار في أثناء سيره في الطرقات.
توفرت بدائل كثيرة جداً للقراءة, يوجد في اليوتيوب أو الايتونز المئات من المحاضرات والشروح لمختلف مجالات المعرفة, في علوم الشريعة و التاريخ والفلسفة والأدب.
يرى فريق من الناس أن القراءة لا يمكن أن تُعوض, اذا شاهد الواحد فيلماً وثائقياً لمدة ساعتين, فيمكن أن تحصل على نفس القدر من المعلومات من خلال قراءة عشرين صفحة. بينما يرى اخرون آن المواد المرئية والمسموعة محببة للنفس لأنها لا تتطلب جهداً من الشخص بخلاف القراءة.
لم تعد المشكلة كيف أحصل المعلومة وانما كيف آتحكم في نفسي فأوجهها الي جهة معينة دون آخرى.