حماية الأجور في مواجهة اقتصاد الظل السعودي

معدل سنوي مرتفع سجلته التحويلات المالية للعمالة الأجنبية في المملكة بلغ 7.88 في المائة خلال الـ20 عاماً الماضية في الوقت الذي بلغ المعدل ذاته في قرابة 150 دولة حول العالم 1.3 في المائة للفترة الزمنية ذاتها، حسب إحصاءات مجموعة البنك الدولي ذات العلاقة بالتحويلات المالية والهجرة العمالية. وضعت هذه المعدلات المملكة في مقدمة الدول المصدرة للتحويلات المالية للعمالة الأجنبية في وقت يشهد فيه اقتصاد الظل في المملكة تنامياً ملحوظاً بلغ قرابة 19.95 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي نهاية 2011، مستفيداً من فجوات هيكلية عديدة يأتي في مقدمتها القصور الواضح في الإجراءات الرقابية والإشرافية على الحراك التجاري للعمالة الأجنبية في المملكة.
أسهمت هذه الفجوات الهيكلية في مبادرة مؤسسة النقد العربي السعودي بالتعاون مع وزارة العمل لضبط عجلة الحراك التجاري من خلال إطلاق برنامج حماية الأجور للحد من التعاملات المشبوهة وغير القانونية للعمالة الأجنبية في المملكة. وعلى الرغم من الفوائد المستهدفة من التطبيق التدريجي لبرنامج حماية الأجور بدايةً من الربع الثاني لعام 2013، التي من أهمها ضبط نشاط التستر التجاري، وتصحيح عدالة السوق التجارية، وحفظ حقوق العمالة الأجنبية، وتطوير معايير مقارنة الأجور بالعمالة السعودية، إلا أن معالجة اقتصاد الظل في المملكة تنتظر مبادرات تكاملية أخرى تصدر من الجهات ذات العلاقة في مقدمتها مصلحة الزكاة والدخل، والمؤسسة العامة للتأمينات الاجتماعية، ومصلحة الإحصاءات العامة والمعلومات، والهيئة العامة للاستثمار، ووزارة التجارة والصناعة.
تعرِّف الأدبيات الاقتصادية اقتصاد الظل بأنه ''كل الأنشطة التجارية المولدة للدخل التي لا تسجل ضمن حسابات الناتج المحلي الإجمالي تعمداً من أصحابها بهدف إخفائها من حسابات الزكاة والدخل لتفادي الرسوم الزكوية والضريبية، أو حسابات التأمينات الاجتماعية لتفادي رسوم الاشتراكات التأمينية، أو حسابات العمل والعمال لتفادي أنظمة الحدود الدنيا للأجور، أو حسابات الاقتصاد والتخطيط لتفادي الإحصاءات التنموية''. يضاف إلى هذه الأنشطة التجارية التداول في السلع والخدمات غير القانونية كالأسلحة غير المرخصة، والمخدرات، والمسروقات، والآثار.
يتميز اقتصاد الظل على الصعيد الدولي بحجمه الكبير وبوتيرة نموه المتسارعة، فبلغ حجمه على الصعيد الدولي قرابة عشرة تريليونات دولار بنهاية 2011، حسب كتاب اقتصادي، بعنوان ''النمو العالمي للاقتصاد غير الرسمي''، صدر أخيرا للاقتصادي النمساوي فريدريك شرايدنر. ويوزع اقتصاد الظل على جميع اقتصادات العالم بمعدلات متباينة. تشير دراسة صدرت منتصف 2010 من صندوق النقد الدولي إلى أن معدل حجم اقتصاد الظل في اقتصادات دول مجموعة العشرين بلغ قرابة 22 إلى 23 في المائة من ناتجها المحلي الإجمالي خلال الفترة 2002-2007. كما تشير الدراسة إلى أن معدل اقتصاد الظل في جمهورية روسيا يعد الأكبر بتمثيله قرابة 48-49 في المائة من ناتجها المحلي الإجمالي خلال الفترة 2002-2007. بينما يمثّل معدل اقتصاد الظل في الولايات المتحدة المعدل الأقل بتمثيله قرابة 8-9 في المائة من ناتجها المحلي الإجمالي خلال الفترة 2002-2007.
تقودنا هذه الإحصاءات إلى النظر في حجم اقتصاد الظل في الاقتصاد السعودي. تشير الدراسة ذاتها إلى أن معدل اقتصاد الظل في المملكة كان يبلغ 17.5-19.9 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي خلال الفترة 2002-2007، كما تشير ورقة عمل أخرى صدرت عن جامعة لينز النمساوية إلى أن معدل اقتصاد الظل في المملكة يبلغ 18.4-19.3 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي خلال الفترة 1999-2005. بمعنى أن معدل النمو السنوي لاقتصاد الظل في المملكة يبلغ قرابة 1.63 في المائة خلال الفترة 1999-2007، وباستخدام المعدل نفسه نصل إلى أن اقتصاد الظل في المملكة يبلغ قرابة 19.95 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي نهاية 2011، أي قرابة 422.194 مليون ريال باعتبار أن الناتج المحلي الإجمالي يبلغ 2.150.793 مليون حسب بيان الميزانية الأخير. رقم كبير إذا نظرنا إلى أن حجمه في 1999 بلغ قرابة 111.060 مليون ريال باعتبار أن الناتج المحلي الإجمالي كان 603.589 مليون ريال نهاية 1999 حسب تقرير مؤسسة النقد العربي السعودي الأخير رقم 48.
يقودنا حجم اقتصاد الظل في الاقتصاد السعودي ووتيرة نموه إلى النظر في أهم القطاعات الاقتصادية في المملكة التي تحتضن أنشطة اقتصاد الظل. تشير التقارير السنوية لمؤسسة النقد العربي السعودي إلى تحسّن إدارة عرض النقود في الجهاز النقدي السعودي، حيث كان النقد الموجود خارج المصارف نهاية 1999، 55.060 مليون ريال. يمثّل هذا المبلغ قرابة 18 في المائة من إجمالي عرض النقود في الجهاز النقدي السعودي. ثم سجّل هذا المعدل انخفاضا تدريجيا حتى وصل إلى قرابة 8.84 في المائة من إجمالي عرض النقود في الجهاز النقدي السعودي نهاية 2010 البالغ 95.520 مليون ريال.
وعلى الرغم من جميع هذه الجهود والإنجازات، إلا أن النظر إلى حجم النمو المتوقع خلال الأعوام المقبلة للناتج المحلي الإجمالي وزيادة وتيرة الحراك التجاري المنبثق من هذا النمو يدعونا إلى التأكيد على مضاعفة الجهود نحو جذب أنشطة اقتصاد الظل إلى الاقتصاد الرسمي من خلال إطلاق مبادرات جديدة تكاملية تعمل مع برنامج حماية الأجور تحت مظلة تنظيمية واحدة. مهام ليست باليسيرة تقع على عاتق مجموعة من الهيئات والمؤسسات، فمصلحة الزكاة والدخل في حاجة إلى مضاعفة جهودها لشمول جميع الفئات التجارية في حساباتها للأوعية الزكوية والضريبية، والمؤسسة العامة للتأمينات الاجتماعية في حاجة إلى مضاعفة جهودها لزيادة اشتراكاتها التأمينية، ومصلحة الإحصاءات العامة والمعلومات في حاجة إلى مضاعفة جهودها لزيادة جودة إحصاءاتها، والهيئة العامة للاستثمار في حاجة إلى مضاعفة جهودها في متابعة تراخيص الاستثمار الأجنبي القائمة، ووزارة التجارة والصناعة في حاجة إلى مضاعفة جهودها لتقنين الأنشطة التجارية في اقتصادات الظل. جهود متباينة التركيز والأولويات بين هذه الهيئات والمؤسسات تدعونا إلى التأكيد على إسناد مهام جذب أنشطة اقتصاد الظل إلى الاقتصاد الرسمي إلى جهة واحدة تبادر وتعمل وفق خريطة طريق لجذب أنشطة الظل بشكل تسلسلي ووفق أهمية النشاط التجاري وأولويته في المشاركة الفاعلة في العملية التنموية السعودية.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي