قرارات قمة الرياض في الشكل والمضمون

لدينا نظرة تفاؤل، ووقفة شك، ونقطة نظام ونحن نشاهد ما أسفرت عنه الدورة الثالثة للقمة العربية التنموية الاقتصادية والاجتماعية في الرياض ليلة البارحة وقراراتها الهادفة إلى مواجهة التحديات الصحية والتعليمية والاقتصادية التي تنخر في جدار منظومة الدول العربية. سبيلنا في مراقبة ذلك مشروع ''الأهداف الإنمائية للألفية'' الدولي الذي يعود إلى مطلع العقد الماضي عندما أعلنت الأمم المتحدة مجموعة من الأهداف المراد تحقيقها من قبل جميع الدول الأعضاء في المنظمة بحلول عام 2015. أطلق على هذه الأهداف اسم ''الأهداف الإنمائية للألفية''. وأسندت مهمة مراقبة ورصد التنفيذ إلى هيئة مستحدثة سميت هيئة رصد الأهداف الإنمائية للألفية. دأبت هيئة الرصد على إصدار إحصاءات ومؤشرات دورية حول جهود الدول الأعضاء في تحقيق ''الأهداف الإنمائية للألفية'' بحلول عام 2015. ضمت ''الأهداف الإنمائية للألفية'' ثمانية أهداف إنمائية رئيسة، و21 هدفا إنمائياً ثانوياً، وقرابة 60 مؤشراً معيارياً لقياس مدى التقدم أو التراجع في تحقيق هذه الأهداف الإنمائية.
كما أطلقت جامعة الدول العربية واللجنة الاقتصادية والاجتماعية لغربي آسيا (الإسكوا) وبرنامج الأمم المتحدة الإنمائي نهاية العقد الماضي تقريرهم المشترك الثالث حول جهود الدول العربية في تحقيق ''الأهداف الإنمائية للألفية''. أتى التقرير تحت عنوان ''التقرير العربي الثالث حول الأهداف التنموية للألفية وآثار الأزمات الاقتصادية العالمية على تحقيقها''. حمل التقرير في طياته رسالة إنذار بتواضع دور الدول العربية في تحقيق الأهداف ببلوغ عام 2015 نستطيع أن نتعرف عليها من خلال مراجعة أداء الدول العربية في ذلك.
الهدف الرئيس الأول ''القضاء على الفقر المدقع والجوع''، أدرجت ثلاثة أهداف ثانوية تحت هذا الهدف : الأول خفض نسبة السكان الذين يقل دخلهم اليومي عن 1.25 دولار للفرد إلى النصف، والثاني التوفير الكامل لفرص العمل اللائقة والمنتجة لجميع السكان، والثالث خفض نسبة السكان الذين يعانون الجوع إلى النصف. والهدف الرئيس الثاني ''تعميم التعليم الابتدائي''، ويقصد بهذا الهدف ضمان قدرة الأطفال على إتمام التعليم الابتدائي. وضعت لهذا الهدف ثلاثة معايير قياسية : الأول معدل تسجيل الأطفال في مرحلة التعليم الابتدائي، والثاني معدل الأطفال الذين أتموا السنة الدراسية الأخيرة من مرحلة التعليم الابتدائي، والثالث معدل الإلمام بالقراءة والكتابة للشباب بين سن 15 و24 سنة.
والهدف الرئيس الثالث ''تعزيز المساواة بين الجنسين وتمكين المرأة من أسباب القوة''، ويقصد بهذا الهدف إزالة التفاوت بين الجنسين في جميع مراحل التعليم. وضعت لهذا الهدف ثلاثة معايير قياسية: الأول نسبة تسجيل النساء إلى الرجال في مدارس التعليم العام والجامعي، والثاني الفرق بين معدل أجر عمل النساء إلى أجر الرجال، والثالث نسبة النساء في القوى العاملة. والهدف الرئيس الرابع ''تخفيض معدل وفيات الأطفال''، ويقصد بهذا الهدف تخفيض معدل وفيات الأطفال دون سن الخامسة من خلال توفير التغذية المناسبة والرعاية الصحية والعلاج الطبي الأساسي. وضع لهذا الهدف معياران قياسيان : الأول نسبة الوفيات دون سن الخامسة، والثاني نسبة التحصينات ضد الأمراض الوبائية.
والهدف الرئيس الخامس ''تحسين صحة الأمهات''. ويندرج هدفان ثانويان تحت هذا الهدف : الأول تخفيض معدل وفيات الأمهات بنسبة ثلاثة أرباع، والآخر توفير الرعاية الصحية اللازمة أثناء الحمل والولادة لجميع الأمهات. وضعت لهذا الهدف أربعة معايير قياسية : الأول معدل وفيات الأمهات أثناء فترة النفاس بسبب مضاعفات متعلقة بالحمل، والمعيار الثاني نسبة الأمهات الحاصلات على الرعاية الصحية اللازمة أثناء الحمل والولادة، والمعيار الثالث معدل انتشار وسائل منع الحمل بين النساء المتزوجات من سن 15 إلى 49 سنة، والرابع معدل الخصوبة لدى النساء من سن 15 إلى 49 سنة. والهدف الرئيس السادس ''مكافحة فيروس ومرض الإيدز والملاريا والأمراض الرئيسة الأخرى''. واندرجت ثلاثة أهداف ثانوية تحت هذا الهدف: الأول وقف انتشار فيروس ومرض الإيدز، والثاني توفير علاج فيروس ومرض الإيدز لكل من يحتاج إليه، والثالث وقف انتشار الملاريا وغيرها من الأمراض الرئيسة، وضع لهذا الهدف معياران قياسيان: الأول معدل الإصابة وانتشار مرض السل بين السكان، والثاني معدل انتشار فيروس الإيدز بين السكان من سن 15 إلى 49 سنة.
والهدف الرئيس السابع ''كفالة الاستدامة البيئية''. وضعت لهذا الهدف أربعة معايير قياسية: الأول معدل السكان الحاصلين على مياه صالحة للشرب ومرافق الصرف الصحي الأساسية، والثاني معدل نمو أراضي الغابات إلى إجمالي الأراضي، والثالث صافي الدخل القومي الموجه نحو المحافظة على البيئة، والرابع نصيب الفرد من انبعاثات ثاني أكسيد الكربون. والهدف الرئيس الثامن ''إقامة شراكة عالمية من أجل التنمية''. وضعت لهذا الهدف ثلاثة معايير قياسية : الأول معدل صافي إجمالي المساعدات الإنمائية الرسمية إلى إجمالي الدخل القومي للدول الغنية، والثاني المؤشر العام لقيود الواردات إلى قيود الصادرات، والثالث مؤشر تحمل أعباء الدين العام في الموازنة العامة للدول الفقيرة.
تولي ''الأهداف الإنمائية للألفية'' جانب التعميم الشمولي اهتماماً أكبر من جانب التخصيص الموضوعي لكل دولة على حدة. وعلى الرغم من ذلك إلا أن مدارسة طبيعة هذه الأهداف ومعاييرها القياسية، ومن ثم مشاهدتها من واقع العملية التنموية في الدول العربية فيها من الفوائد ما يساعد على زيادة التعرف على تحديات العملية التنموية في الدول العربية، وجدوى آليات مواجهتها.
كما خلص التقرير المشترك لجامعة الدول العربية، واللجنة الاقتصادية والاجتماعية لغربي آسيا (الإسكوا)، وبرنامج الأمم المتحدة الإنمائي إلى تصنيف الدول العربية من منظور احتمالية تحقيقها ''للأهداف الإنمائية للألفية'' بحلول 2015 إلى ثلاث مجموعات: المجموعة الأولى دول من المحتمل أن تحقق الأهداف، شملت هذه المجموعة بشكل رئيس دول مجلس التعاون الخليجي. والمجموعة الثانية دول من غير المحتمل أن تحقق الأهداف، شملت هذه المجموعة بشكل رئيس الدول العربية الأقل نمواً، وفي مقدمتها السودان، اليمن، فلسطين، العراق، موريتانيا، والصومال، وعزيت الأسباب إلى ما تواجهه هذه الدول من تحديات أمنية تعوق عملية التنمية. والمجموعة الثالثة دول ذات معدلات نمو متباينة، وبالتالي احتمالية متباينة لتحقيق الأهداف. تشمل هذه المجموعة باقي الدول العربية التي تصنّف بذات الدخل المتوسط.
وعلى الرغم مما أسفرت عنه قمة الرياض ليلة البارحة من قرارات، إلا أن نتائج ما تم إنجازه حتى اليوم من قرارات الدورة الأولى في الكويت والدورة الثانية في شرم الشيخ ما زالت تئن من التقدم المتواضع نحو تذليلها. والدعوة هنا توجّه إلى رؤساء الدول العربية بشحذ الهمة، وتوحيد الصف، وتنسيق الجهد نحو الارتقاء برفاهية المواطن العربي واستدامة رخائه لنحتفل بنتائج القمة شكلاً ومضموناً عوضاً عن الشكل كما في الدورتين السابقتين الأولى والثانية.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي