لماذا لا يصرف رواتب للنساء دون عمل ؟!

طالب بعض الأشخاص في السعودية بصرف رواتب للأمهات في السعودية دون أن يعملن مقابل هذا المبلغ,الذي تفاوتت المطالب في قيمته.مبررين ذلك بضخامة ميزانية السعودية للسنوات الخمس الماضية,معللين ذلك أن الأم تتعب وتشقى في تربية الأبناء الذين هم عماد المستقبل , والذين صلاحهم والاهتمام بتعليمهم هو صلاح وتقدم لمستقبل أفضل,وأنا لا أعارض ذلك فهن يستحقهن التقدير والشكر بكل أنواعه,ولكن ليس في كل الحالات والظروف,فبعض النساء في حاجة إلى ذلك وبالذات النساء اللاتي يعشن ظروف مادية صعبة أو ظروف اجتماعية قاسية تمنعهن من العمل.

لكن ماذا لو فعلاً تم اعتماد صرف رواتب للنساء في السعودية دون عمل,وفرضنا أن ربات المنازل في السعودية مليونان امرأة (فرضاً) ويصرف لهن 2000 ريال شهرياً كراتب,فذلك سوف يكلف الدولة 4 مليار ريال شهرياً,وسنوياً 48 مليار ريال !!

والاهم من ذلك ما هي انعكاسات ذلك على الدولة والمجتمع ؟

أولاً : اقتصادياً, من المعروف أن المملكة دولة نفطية,وتعتمد على ما نسبة 70% تقريباً من النفط في إيراداتها,وهذا يعني لو انخفض سعر النفط عالمياً سوف تنخفض الإيرادات بشكل كبير جداً,كما أن النفط مادة استهلاكية,قد تنتهي في وقت من الأوقات,أو أن المملكة تستهلك جميع أنتاجها منه بحلول عام 2040 م,كما تشير التقارير العالمية,وهنا سوف تفقد السعودية 70% أن لم يكن أكثر من ميزانيتها عندما لا تستطيع تصدير النفط,وبذلك تضطر الدولة لخفض النفقات حتى تغطي هذا العجز,والنساء اللواتي يتقاضين رواتب دون عمل بالتأكيد يمثلن عبء مادي لا عائد منه على الدولة,وبالتالي سوف يتوقف صرف رواتب لهن,وبذلك نحدث مشكلة مادية لديهن عندما نصرف لهن رواتب فترة من الزمن بعد ذلك نقطع عنهن هذا الراتب .

ثانياً :اجتماعياً,من الطبيعي أن تكون المرأة الغير عاملة لا تشعر بقيمة المال,الذي تتقاضاه دون عمل أو مجهود,وهذا سوف ينعكس على سلوكها المالي,الذي سوف يكون ينفق دون رقابة أو بلا فائدة إلا فيما ندر,كما أن هذا المبلغ ثابت,لعدم وجود زيادة سنوية كما في نظام العمل,والمرأة تزداد احتياجاتها مع مرور الزمن,كما أن الأسعار ترتفع بحكم زيادة الطلب بالإضافة لازدياد نسبة التضخم السنوي في السعودية !!

ثالثاً :مشكلة العمالة الأجنبية :في السعودية نعاني من وجود أكثر من 7 مليون من العمالة الأجنبية من الجنسين,وهذا العدد الضخم مقارنة بعدد سكان السعودية يمثل خطر اقتصادي وامني ويزيد من البطالة لدى الجنسين,كما أن هذه العمالة لن تدوم,فهي يوم من الأيام سوف تعود إلى أوطانها بعد ما تحصل على ما يكفيها للمعيشة بقية حياتها في دولتها الأساسية,وبعد تركهم العمل في السعودية سوف نعاني من عدم وجود كفاءات سعودية تعمل في هذه الأماكن,وهنا سوف تحدث أزمة كبيرة قد نعاني منها سنوات عديدة,لآتها يصعب حلها سريعاً,ولنا مثال بسيط,ليس ذات أهمية كبيرة,وهي أزمة العاملات المنزليات في السعودية ,فبعد امتناع دولتا الفلبين واندونيسيا إرسال عمالتها المنزلية للسعودية عانت الكثير من الآسر من مشاكل عديدة وبالذات العائلات التي تحتاج إليها بشكل ضروري,فكيف بنا لو كانت هذه الأزمة في المجال الطبي في المستشفيات مثلا !!ً

ما دفعني لكتابة هذا المقال هو ما طرحة البعض في الصحف والمواقع الالكترونية لهذا الموضوع,دون وعي حقيقي لآثار ذلك,أو لكسب الجماهير بطرح مثل هذه المطالب التي تحرك عواطف المجتمع فقط ,وتصيبهم بخيبة أمل بعد ذلك,وبالذات أن الكثير تعاطف مع الفكرة,وهذا أمر طبيعي,فجميعنا نطمح بزيادة في الدخل,وحياة أكثر رفاهية,ولكن ليس بشكل مؤقت,إنما بشكل مستدام,وهذا لن يحدث بصرف رواتب للنساء دون عمل,ولنا في حافز مثال سيئ رغم قصر مدته وقلة فائدته

نستطيع رفع مستوى المعيشة بشكل دائم بإنشاء مشاريع صناعية وتنموية توظف أبناء هذا الوطن من الجنسين,وتجعل من السعودية دولة متقدمة ومنتجة لا تعتمد على النفط بشكل كامل,كما يجب أن نطالب بتوفير الخدمات الأساسية بالشكل المطلوب للمواطنين من تعليم ورعاية طبية ومسكن,فبهذه الأمور نرتقي وترتقي حياتنا.

في الأخير أدعو لزيادة مخصصات النساء العاجزات عن العمل لأي سبب كان,وتوفير لهن حياة كريمة,وهذا هو الأمر مقبول منطقياً من جميع النواحي,وواجب على الدولة الاهتمام بهن,وهذا مجرد تذكير للمسئولين حتى لا يظن البعض أنني ضد إعانة المحتاجين في السعودية,فسوء الظن مرض يعاني منه البعض في مجتمعنا للأسف.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي