متى ترى سوق أسهم المنشآت الصغيرة والمتوسطة النور؟
درجت العادة ألا يتقدم لطلب الإدراج في السوق المالية سوى الشركات الكبيرة، أو التي تمتلك أرصدة مالية كبيرة تقترب من أرصدة الشركات الكبيرة، ويأتي ذلك بالطبع استجابة للشروط الموضوعة من قبل الدوائر المالية المهيمنة على إدارة ورقابة القطاع المالي الذي تشكل السوق المالية أبرز ركائزه، حيث تشترط في العادة شروطاً معينة تجعل من الملاءة المالية شرطا أساسياً للموافقة، وتضع لذلك سقفاً مالياً معيناً يتعذر على كل أحد تأمينه، ثم تأتي بقية الشروط الأخرى تبعاً لتتم الموافقة على طلبها في الإدراج، بل وتكون محل رقابة على بياناتها المالية بشكل مستمر، حيث لو تخلف شرط من الشروط المطلوبة للإدراج ــــ ولو بعد الإدراج ـــ فإنه سيضع الشركة في موقف حرج قد ينتهي في حال عدم استجابتها لإصلاح الوضع إلى الإقصاء من السوق المالية، وقد سبق أن حدث هذا الموقف لشركات عملاقة فضلا عن شركات كبيرة.
إلا أن هذه القيود لا تشمل الشركات المصنفة في عداد الصغيرة والمتوسطة، لأنها في العادة خارج معادلة السوق المالية، وليس لها أسهم ومساهمون يداولونها صعودا ونزولا حسب أدائها في القطاع، مع أن لها دوراً كبيراً في تحريك القطاعات المختلفة بمجموعها، فهي تشبه الجذور التي تغذي الأشجار العالية، وهذا ما جعلها خارج نطاق الرؤية، حيث سرقت الشركات الكبرى الأضواء لتصبح هذه الشركات في الظل، ويصبح إنجازها المهم دوراً ثانوياً في حين أنه أحق بالدور الأساسي الأول.
ولعل من أكبر العقبات التي يواجهها أصحاب المنشأة الصغيرة والمتوسطة تكمن في ضعف موارد التمويل، وهي وإن وجدت فبتكلفة عالية جداً، ومن الصعب تقييم المنشآت للدخول في شراكات توسعية، أو حتى قياس حجم سوق المنشآت الصغيرة والمتوسطة، وكذلك الحال مع قياس حجم تأثير هذه السوق في الاقتصاد الوطني إلى يومنا هذا.
فالتقييم يقف حاجزاً أمام أي شراكة توسعية، فلو افترضنا أن هناك شاباً أو شابة من شباب الأعمال يرغب في توسيع أعماله، وأن مشروعه عبارة عن سلسلة مطاعم، وتدر عليه عوائد جيدة، ولكن من أجل أن ينتقل إلى المستوى الثاني من مشروع صغير إلى متوسط فإنه يحتاج إلى ضخ رأسمال جديد في المشروع، لكن العقبات الإدارية عندنا تقتل مثل هذه المشاريع في مهدها بسبب ضعف القدرة المالية لدى المستثمر الصغير، حيث يتوزع رأس المال إلى إيجار مكان لم يستفد منه على أقل تقدير ستة أشهر، وهنا يكون رائد الأعمال أمام ثلاثة خيارات، الأول: ــــ وهو الأسهل ـــ أن يغلق المشروع ويخسر ما دفعه، الثاني: أن يحصل على تمويل بتكلفة معقولة وهذا شبه مستحيل، الثالث: أن يُدخل شريكاً، ولكن مشكلة إدخال شريك تكمن في تعذر إمكانية تقييم الشركة الذي يتم عادة بحساب أصولها فقط وبهذا تكون الخسارة كبيرة على رائد الأعمال بسبب غياب آلية تقييم منصفة يعتمد عليها السوق.
لذلك، ومن أجل ألا تموت جميع المشاريع الفتية، علينا أن نخلق سوق أسهم لها ليكون مكاناً يمكن الحصول من خلاله على تمويل، ويساعد في الوقت نفسه على تقييم الشركات بشكل حقيقي، ويعطي القيمة الفعلية للشركة أثناء التداول، وهذا وغيره هو الذي دفع الهند لإطلاق أول سوق أسهم خاص بالمنشآت الصغيرة والمتوسطة قبل 23 سنة في عام 1990 وهو ما قفز بها في أيامنا هذه ليضعها في عداد أسرع خمسة اقتصادات نمواً في العالم، واستطاعت بهذه السوق أن تعرف الحجم الفعلي لقطاع المنشأة الصغيرة والمتوسطة في الهند، وليس هذا فقط، بل فتحت الأبواب أمام المستثمرين للاستثمار في هذه المنشآت من خلال إدراجها في السوق، فأتاحت لهذه المنشآت الحصول على تمويل منخفض التكلفة.
نحن نجزم بأن التمويل الحكومي سيكون أكثر كفاءة عندما يتم إطلاق مثل سوق أسهم الشركات الصغيرة والمتوسطة للمرة الأولى، ويساعدنا في ذلك ولله الحمد وجود صناديق حكومية عدة للتمويل، لا تعاني سوى مشكلة واحدة تكمن في تحصيل المبالغ المالية المستحقة، في حين أن احتساب كفاءة هذه الصناديق يجب أن يقاس بعدد مرات تدوير رؤوس أموالها، لكي يمكن الحصول على النمو المتوقع، فلو افترضنا أن هذه الصناديق تتحول بنسبة 30 في المائة منها لتستثمر في الشركات الصغيرة والمتوسطة، ويكون هذا من خلال سوق المال المخصص لهذه الشركات فسيستفيد الجميع بتحديد أول ملامح وحجم هذا القطاع، وهو ما سيعزز من ثقة المستثمر بالاستثمار في هذا القطاع، ويحقق النمو في صناديق التمويل الحكومية، ويكسب في الجانب المقابل توظيف أكبر عدد ممكن من أبناء هذا الوطن الغالي.
لكن، وما أدراك ما لكن؟ متى نرى مثل هذه السوق وقد سبقنا في هذا المضمار الكثير من الدول، بل قل: متى سنلحق بها لو قمنا بإطلاقه في هذه اللحظة وقد مضى على إطلاقها عن دولة مثل الهند 23 سنة؟