نزيفك طال يا وطن !!

بات الحديث عن أمِّنا مصر حديثاً ذا شجون، فلم يرصد التاريخ فترة تشابك فيها المصريون كالتي وقعت من ثورة 25 يناير وإلى الآن، قـَتْلُ المصريين لبعض البعض صار علامة مُسجلة، لن تنمحي من ذاكرة من الأيام، فمنْ كانَ يتخيل أنَّ جداول الدم لن تجفَّ في بلد الأمن حتى يومنا هذا؟!، ومن كان يتصور أن يتشكَّل إصرار لدى أفراد وجبهات على أن لا يتوقف نزيف الدم والاقتصاد في شوارع المحروسة بمثل هذه الطريقة الهمجية؟!.

لن أتحدث إلى أولئك الذين أصمّ الله آذانهم وطبع على قلوبهم، ولكني سأتحدث إلى مصر، فهي فقط من تسمع محبيها.. يا وطني الحبيب: هل كُتِبَ عليك أن يَسيلَ الدم من شرايينك بلا توقف؟، فلا يَكادُ يندمل لك جرحٌ حتى تُصاب بجرح آخر من ذويك، ليستمرَّ نزفك، ويطول في العيش ضعفك، إهمالاً وأنانية وقسوة ممن يبحثون لأنفسهم وفرقهم عن نصيبٍ من الزعامة، ولو كان الطريقُ إلى ذلك يَمّاً من دمك!.

يا وطني: تيقنتُ بأنكَ غائب عن قلوب كثير ممن يدَّعونَ مَحبتك، إذ رأوا الإعياء يعتريك ولم يرتجف لهم جفن أو تدمع لهم عين، وجلهم يا وطني لا يبحثون عن حل كي يتوقف النزيف، ولكن يبحثون عن براءة لجانبهم مما حلَّ بك، فلا زالت غايتهم أن يتجملوا، لا أن يراقبوا ربَّ الناس فيك.. أنت يا وطني لست على «رادار» كثير ممن صدّعونا بعبارات الوطنية والانتماء في كل مناسبة.

يا وطني: هناكَ منْ انشغل عنك بجمع الغنائم من أركانك.. من بين الجروح النازفة ينتزعون عرضاً من الحياة زائل، باحثين - بغباء - عن قوة مترهلة فيما تبقى من عنفوانك، وكأنك يا وطني غنيمة حربٍ لشراذم، تغنوا من فوق الأثير بمحبتك، إذ الأضواء حاضرة والناس تشاهد، ويوم أن قابلوا الحقيقة أعماهم نورها فتخبطوا في الدروب كرّاً وفراً، مقدمين شأنهم على شأنك، وأمرهم على أمرك، وكأنهم فقدوا نور البصيرة مع نور البصر، وذا شأن كل صعلوك منافق.

أرأيت يا وطني كم تفرق الأهل فيك..
نصرة لفرقهم على وحدتك والتحامك..
فرفعوا شعارات الفرقة جهراً في ميدانك..
مصريون ضاقت عليهم جنسيتهم فاشتقوا لأنفسهم أوطاناً في رحابك..
في ربوع الأرض كلها كان الاختلاف دعماً للأوطان إلا في جنابك..
هم يقولون مصر بطرف اللسان وقلوبهم عند الممالك..
قد ضحكوا على شباب غضٍّ بريء..
فزينوا الباطل حقاً، والكذب صدقاً، وما زالوا في المسالك..
شبابك لا يعرف الخبث يا وطني، ولكن سيق إلى المهالك..
اُطرد دعاة الفتنة يا وطني، إذ تجرءوا على جلالك..
من فهم الحنان جُبناً، والحبّ ضعفاً، فليُجرد من حنانك..

يا وطني العزيز: رغم حزني عليك، فإني واثق من نهوضك، وسوف تهتز قريباً في عنفوانك، لتُسقط كل المُتسلقين من فوق أكتافك، فالنهوض يا وطني قدرك الحتمي، والقوة يا وطني مصيرك القدري، ويومئذٍ سنبكي فرحاً وتيهاً، كما نبكي اليوم حُزناً وكمداً.

مصرُ.. التي في خاطري وفي دمي.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي