مفارقات ما بين الماراثون العلمي والأولمبياد الهزلي
يظل مجال التنافس العلمي بين مجتمعات البحث العلمي في أرجاء المعمورة المحفز الأول الذي يؤدي إلى ماراثون بمنافسة شريفة تعتمد على مهنية راقية وبروتوكولات مكتوبة وضمنية تحفظ الحقوق وتنسب الأعمال الجديدة في الأبحاث إلى من فاز بلحظة اكتشافها قبل الآخرين.
ويعد مثال البحوث المتقدمة في مجالي الاندماج النووي بواسطة التفاعل الحراري الكبير وبحوث الاندماج البارد Hot fusion and Cold fusion الأقوى خلال العقود الثلاثة الماضية، حيث صرفت الدول المتقدمة مئات المليارات لمحاولة الوصول الى أحدهما، وذلك لما سيكون له أثر كبير في إيجاد طاقة رخيصة بمستوى قيمة الماء أو الهواء، ويتم القضاء على المفاعلات النووية الانشطارية التي تعد من أخطر أنواع طرق إنتاج الطاقة الرخيصة.
وحيث دأبت موهبة على تنفيذ فعالية سنوية باسم أولمبياد إبداع الذي ستختتم فعالياته هذا الأسبوع تحت مسمى أولمبياد 2013، حيث تتنافس مجموعات من طلبة التعليم العام على إنتاج مشاريع بحثية أو اختراعات يفترض فيها الجدة والأصالة التي تحتاج لحمايتها قبل النشر بإحدى وسائل الحماية المعروفة، إلا أن هذا الشرط الأساسي غير متوافر في أعمال هذا الأولمبياد، مما يحرم الباحثين من فرصة حماية إبداعهم والاستفادة منه، حيث إن النشر يضع هذه الأعمال في النطاق العام، ويستطيع أي شخص الاستفادة من هذه الأعمال دون الحصول على إذن من منتجيها.
كما أن الأعمال تؤدَّى بعيدا عن الإشراف المباشر من مشرفين متخصصين، مما يجعل معظم المشاريع المقدمة مقلدة، وقام بتنفيذها أشخاص آخرون لمصلحة الطلبة، ويبدو ذلك جليا عند سؤال بعضهم عن أجزاء الأجهزة المقدمة أو طرق عملها.
وما زلت أتذكر قصة الفتاة التي فازت بإحدى الجوائز وكانت تبكي، وعندما سألتها المشرفة عن سبب البكاء قالت إن والدها هو الذي قدم العمل، وأنها رفضت ولكنه أصر عليها، وقال كلمته الشهيرة ''أنا سأتاجر بكم يا أبنائي''، ولا ألومه فقد كانت طريقة تنفيذ الفعالية بدائية سمحت له بالتطاول على شرف وقيمة الفعالية دون مراقبة ذاتية أو مؤسسية، كان ذلك في نسخة الفعالية الأولى قبل الإدارة الحالية، وبدأت الإدارة الأولى بمحاولة لتصحيح المسار، ولكن الأمر ازداد سوءا بعدهم.
ولهذا الوضع أسباب جلية وظاهرة للعيان، حيث لا يوجد متخصص واحد لدى موهبة في هذا المجال، بل في معظم المجالات، بل إن المتخصص المتفحص للأعمال التي تقدمها موهبة يرى تخلفا كبيرا في مجالات الكشف عن الموهبة، حيث وفي المشروع الوطني للتعرف على الموهوبين نجد أن الموقع يحث الطالب على ترشيح نفسه، وكأنه ذاهب إلى رحلة سياحية أو رحلة صيد، وكذلك يحث الوالدين على ترشيح أبنائهم وكأننا نؤصل للمثل الشهير ''القرد في عين أمه غزال''، وكذلك يطلب من وكيل المدرسة ترشيح من يراهم موهوبين الذي حتما سيمعن النظر بأقاربه ويرشحهم كونهم هم الفئة الموهوبة الوحيدة في العالم.
نسي المسؤولون في موهبة الطرق الحديثة في الاكتشاف، وظلوا يعتمدون على اختبارات قياس عقيمة ومترجمة وكل نتائجها متسربة وموجودة على الإنترنت، فلا نظرة للمخرجات أو استخدام برامج التحفيز لمجموعات من الطلبة لتحفيز مواهب جزء يسير منهم، وذلك لرعايتها حال ظهورها أو وجود بوادر ومؤشرات تدل عليها الأساليب التي تعتمد على الإثراء والتدريب الكلي ومن ثم التلمذة المتخصصة لصقل المواهب.
بل أصبحت المسألة مجرد أداء واجب وتغيير شعارات، فربما رأينا واقعا ماثلا أمامنا في إعلان أولمبياد إبداع 2013 تظهر فيه بصمة ذات دلالة واضحة على إبداع إدارة موهبة تستحق عليه الشكر والثناء والتبجيل، ألا وهو تغيير شعاري موهبة ووزارة التربية والتعليم وكأنهما شركتا مواد استهلاكية تنتج المشروبات الغازية، حيث ستنافسان الشركات العالمية مثل كوكا كولا وبيبسي كولا التي تبيع مواد استهلاكية منعت من دخول المدارس في معظم بلدان العالم رغم ما لها من رواج وشعبية.
فصبر جميل، إخواني وأخواتي الطلبة والطالبات والمعلمين والمعلمات على هذه الشعارات التي سننافس بها العالم، ونسأل الله أن يساعدنا على التخلص من هذه الشعارات، ونرى أعمالا جادة في سبيل اكتشاف الموهبة ورعايتها من قبل الكوادر المتخصصة في المملكة التي يتم إقصاؤها وإبعادها عن مسرح العمل لأسباب غير مبررة أو معروفة، وتظل هذه الأسباب محبوسة في صدور ممارسي الإقصاء والتفرد.