رواق المعرفة أم سماء المعرفة؟
تقبع كل من شركة أرامكو السعودية وجامعة الملك فهد للبترول والمعادن على الساحل الشرقي ويجمع بينهما سور واحد ويشاء الله ويقدر أن تكتمل القوس وتقوم شركة أرامكو بإنشاء جامعة الملك عبد الله للعلوم والتكنولوجيا على الجهة المقابلة في ثول على الساحل الغربي ولا ضير في ذلك فإنه جزء يسير مما يتوقعه المواطن من شركة عالمية عريقة.
ولكن ما يلفت الانتباه هو وعلى مدى السنوات الخمسين الماضية التي مرت على إنشاء جامعة الملك فهد وفي حفلها بمناسبة مرور 50 عاما على إنشائها، ذكر المدير التنفيذي لشركة أرامكو في كلمته في الحفل، الكثير من المشاريع المشتركة المزمع إنشاؤها مع الجامعة، وذكر أيضا أنه توجد لجنة إشرافية عليا أنشئت لتطوير أوجه التعاون والتكامل بين الشركة والجامعة، ولكن واقع الحال قد يكون مختلفا وإن ذكر أنهما توأمان سياميان لا ينفصلان فإن المراقب يلاحظ دائما أوجه كثيرة للتنافر والابتعاد عن بعض، حيث يشير هذا الخطاب إلى مدى الفرقة التي كانت قائمة في الماضي بين الشركة والجامعة، التي نتمنى كما يتمنى المدير التنفيذي أن تزول.
وفي مدينة الرياض حلمت إدارة جامعة الملك سعود فيما أسمته رواق المعرفة الذي سيجمع شكليا كل من "موهبة" جنوبا مرورا بمدينة الملك عبد العزيز للعلوم والتقنية فجامعة الملك سعود، حيث يجمع هذه المؤسسات سور واحد ليقفز الرواق إلى جامعة الإمام محمد بن سعود مرورا بجامعة الأمير سلطان ومنتهيا بجامعة نورة بنت عبد الرحمن، وذلك لمحاولة مد جسور التعاون المشترك بين هذه المؤسسات العلمية الأكاديمية والاستفادة من تقاربها الجغرافي وتخصصاتها العلمية المتشابهة في إيجاد بيئة تكاملية صحية لخدمة كافة الأطراف.
حيث ستنطبع واجهات هذه المؤسسات بطابع موحد وتأخذ شوارعها المشتركة شكلا يميزها عن بقية شوارع المدينة وستكون المنطقة منطقة ذكية في كل أعمالها، حيث ستكون شبكة الإنترنت الأقوى على مستوى المدينة، وسيتم وضع برنامج للتكامل فيما بينها في المؤتمرات واستخدام المعامل وتبادل الخبرات فيما بينها على مدار الساعة.
وحلم رواق المعرفة في الرياض ذهب إلى أبعد من الخيال، وذلك لما يكتنف هذه المؤسسات من حب للتفرد في كل شيء والابتعاد عن الرؤية والمسار المحدد لكل مؤسسة على حدة والكل يعتقد أنه أرفع من الآخر درجة، حيث يعتقد الأول أنه ارتفع درجة مع أن الواقع أن هذا الارتفاع ظهر بسبب نزول جاره درجة، ويظل النزول في السلم بديلا للتعاون المشترك البناء الذي سيرفع الجميع لدرجات ويوجد بيئة علمية بحثية مميزة تشترك بها كل هذه المؤسسات بشكل توافقي يخدم المجتمع ويرتقي به إلى مصاف ودرجات التعاون على المستوى العالمي.
وإن ظهرت بوادر للتعاون بين الفينة والأخرى فإنها تنتكس لتؤثر سلبا في مسار التعاون المنشود، ويحق لي ذكر مثال واحد، حيث شاركت كل من جامعة الملك سعود و"موهبة" ومدينة الملك عبد العزيز للعلوم والتقنية في الاحتفال باليوم العالمي للملكية الفكرية مجتمعة للسنتين الماضيتين، ولكن هذه التجربة انتكست لتحتفل هذه السنة كل مؤسسة منفردة بهذه المناسبة التي وحسب تجارب سابقة ما تلبث أن تتراجع إلى أن تتوقف الفعالية، التي يحتاج لها مجتمع المعرفة لتكون حفلا وطنيا يحتفل به المجتمع كافة.
وبرنامج التوأمة في جامعة الملك سعود خطط للتوأمة مع كل أصقاع العالم، ولكنه لم يستطع التواؤم مع جيرانه وأقرب الأقربين، حيث لا توجد اتفاقية واحدة مع جامعة سعودية أو الجار بالجنب مدينة الملك عبد العزيز للعلوم والتقنية.
ومجمل القول: إن هذه المؤسسات لن تتقدم إلا بالتعاون والعمل المشترك وتبادل الخبرات والمشاركة في تحمل جزء من عبء البحث العلمي الثقيل الذي لن تستطيع مؤسسة واحدة على النهوض به منفردة وعلينا تحويل الاختلاف في الرؤى إلى مصادر توافق بمد جسور التواصل بين كل المؤسسات العلمية والأكاديمية في المملكة.
ودعوني أكتب على الهواء أو أخط على الرمل طلبا إلى الهيئة العليا لتطوير مدينة الرياض في أن تتبنى عملية إحياء برنامج رواق الرياض للمعرفة الذي بدأت فكرته من معالي مدير جامعة الملك سعود السابق الدكتور عبد الله العثمان، ما سيساعد في تقليل الوقت للوصول إلى حافة العلم ومشاركة العالم المتحضر في خدمة الإنسانية وفرض حضور متميز يغير من واقعنا المتخلف إلى واقع مشرق -بإذن الله- وقد يكون مناسبا تسمية أحد ميادين هذا الرواق باسم الدكتور عبد الله العثمان، وإن نقلت التجربة إلى بقية مدن المملكة فإننا سنتحول من رواق المعرفة إلى سماء المعرفة.