نحن والكتاب.. في معرض الرياض

أكتب هذا المقال بعد ما انفض السامر في معرض الكتاب، وهو التظاهرة التي غيرت الرياض على مدى 11 يوماً، هي مدة المعرض الذي شهد الكثير من التفاعل من شرائح المجتمع المختلفة والمتباينة حد التضاد، واجتمع تحت سقفه عشرات دور النشر، ومئات المؤلفين، وآلاف الكتب، وعشرات الآلاف من الزوار.
كنت وغيري نعتقد أن عصر الكتاب ولىّ مع المنافسة الشرسة من قبل التقنية والكتاب الإلكتروني، وأن زبائن الكتاب بدأوا في الانقراض، خاصة من القُراء الشباب، فكانت المفاجأة أن الأعداد بالآلاف والمبيعات بالملايين، بحضور طغى عليه شباب في عمر الزهور كانوا هم المتسوق الأول في معرض الكتاب.
كان معرض الرياض يوماً ما عبارة عن صالة كبيرة لبيع الكتب، لكنه تحول مع الوقت إلى ظاهرة ينتظرها سكان الرياض بفارغ الصبر، فهذا قارئ يبحث عما يسد به حاجة عقله، وهذا كاتب يجد المعرض فرصة مواتية لنشر كتابه، وهذا ناشر يأمل في مبيعات إضافية لكتبه، بل إن المعرض أصبح نزهة ثقافية للبعض، وتجمعاً فكرياً لآخرين.
تنوع الزائرين في المعرض كان يشكل ألوان الطيف للمجتمع السعودي، وسكان مدينة الرياض. فالرجال والنساء والصغار والشباب والكبار والمثقفون والعامة والسعوديون وغيرهم، والمحافظون والليبراليون، ستجدهم كلهم في معرض الرياض للكتاب.
تشدك مناظر في المعرض لا بد أن تستوقفك، فهذا طفل صغير يجر والده للركن الذي يريد، وهذه أسرة كاملة تتسوق كتباً وثقافة وفكراً، وتلك عربات مبتكرة يجرها الكثير من المتسوقين لتحميل مشترياتهم الثمينة من الكتب، وهذا طابور ينتظر فيه الكثير من النساء والقليل من الرجال لتوقيع الكتب من المؤلفين في منصات التوقيع. وكثير من الناس يتسوقون ومعهم العديد من الأكياس على غير العادة ليس فيها إلا غذاء الثقافة والفكر لا غير، وهكذا، مناظر لا تراها إلا في احتفالية معرض الكتاب.
التنوع كان حاضراً حتى في دور النشر، فالدور المحلية حاضرة وبقوة، وهناك الدور الخليجية وأخرى عربية، وتلك تركية وأخرى إنجليزية، وهذه مؤسسات مدنية، وتلك جهات حكومية، وأخرى مؤسسات تعليمية.. إلخ.
الظاهرة التي برزت للحضور تجلّت في تلك المساحات الضخمة المستأجرة من الجهات الحكومية، والتفنن في الديكور وفي المساحات الكبرى المستغلة، تضاف إليها ظاهرة التوزيع المجاني لبعض الكتب في الأجنحة الحكومية وشبه الحكومية التي شدت الحضور من باب ''شيء ببلاش ربحه بين''.
في المعرض أيضاً برزت الظاهرة التقنية، في منافسة وتكامل مع الكتاب التقليدي، فزاد عدد الجهات التي تعرض خدماتها الثقافية الإلكترونية، فهذه مؤسسات لتصميم الكتب إلكترونياً، وتلك دور للنشر الإلكتروني، وأخرى للبيع عبر الشبكة العنكبوتية، وهي منافسة شريفة ستولّد منتجاً منافساً بجودة عالية.
في خضم هذه التظاهرة الثقافية، شهد المعرض ولادة بعض مبادرات شباب الأعمال بمشاريع تعلقت بالمعرض، فهذا شاب يعلن عن توصيل الكتب للراغبين في الشراء من خارج الرياض، ثم يقلده آخر، وهذا شاب يبدأ نشاطه الإعلامي بتسجيل تلفزيوني للقاءات الكتّاب في القناة الثقافية ثم يصطادهم عبر حساباتهم في تويتر ويعرض عليهم إنزال المقابلة على اليوتيوب مقابل مبلغ مالي، وهؤلاء أقف احتراماً لاستثمارهم هذا الحدث بشكل إيجابي ومحترم، يحقق لهم المكاسب المادية مقابل تقديمهم خدمة محترمة مفيدة للآخرين.
شخصياً كان أحد مكاسبي وذكرياتي الجميلة حول المعرض لهذا العام إطلاق كتابي المعنون بـ ''٣٠ وقفة مع سوق الأسهم''، وفيه مررت بتجربة جميلة في النشر والعرض والبيع، كما هو مع منصة التوقيع.
كانت هناك مطالب تتساءل إذا كان معرض الكتاب مطلباً بهذا الإلحاح، فلماذا لا يكون هناك معرض دائم للكتاب؟ والخبراء يعلمون أن أحد أسباب الوهج للمعارض هو محدودية مدة المعرض، وشحذ الجهود الذي استمر طوال المعرض لا يمكن أن يستمر بالدافعية نفسها لمدة أطول، فالحماس لمدة أيام يتبعه فتور، من المنظمين والعارضين والجمهور.
ختاماً، لا أدعي أن المعرض خلا من الأخطاء، بل كان هناك العديد من السلبيات التنظيمية والرقابية والفنية، لكنه عمل البشر الذي لا يخلو من نقص، النجاح الحقيقي للمعرض كان في النقاش والحوار الذي طغى على أجواء مجالس الرياض وتجمعاتها واستراحاتها ودورياتها طوال مدة المعرض الذي كانت محاوره تدور حول الجديد من الكتب، وأكثر الكتب مبيعاً، وأفضل دور النشر، وأكثر الكتّاب استقلالية، والكتب الممنوعة التي حضرت، وبعد كل محور هناك عشرات من كم؟ وكيف؟ ولماذا؟

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي