إكمال الصورة في برنامج الابتعاث الخارجي
الرؤية المكتوبة في موقع برنامج خادم الحرمين الشريفين للابتعاث الخارجي تعد مفاجأة لي وأحسبها مفاجأة للجميع وهي تقول "إعداد أجيال متميزة لمجتمع معرفي مبني على اقتصاد المعرفة"، حيث إن ما يدور حولنا ونشاهده هو مجرد ابتعاث خارجي للحصول على درجات علمية أكاديمية ثم العودة للبحث عن فرص عمل في مجالات تقليدية متشبعة ولا تحتمل زيادة في التوظيف.
ولو نظرنا إلى أهداف البرنامج من الهدف الأول إلى الثالث فإنها تترجم ما نراه ونطبقه وهي ابتعاث ومعايير أكاديمية وتبادل للخبرات بين بلدان العالم، ولكن الهدفين الرابع والخامس وهما (بناء كوادر سعودية مؤهلة ومحترفة في بيئة العمل)، و(رفع مستوى الاحترافية المهنية وتطويرها لدى الكوادر السعودية) فأين بيئة العمل وأين الاحترافية المهنية وتطويرها فبمجرد أن يتسلم الطالب شهادته يعود أدراجه إلى الوطن مضيفا رقما إضافيا في قائمة العاطلين عن العمل.
ولديّ اقتراح مباشر إلى وزارة التعليم العالي وهو أن تمدد فترة الابتعاث إلى سنة إضافية مدفوعة بالكامل شريطة أن يمارس الطالب وظيفة فعلية في البلد الذي تخرج منه ويحتك احتكاكا مباشرا باقتصاد المعرفة، وقد يرى الطالب حاجته إلى أكثر من ذلك فيستمر في العمل الذي بدأه لعدة سنوات وعندما يعود للوطن سيحمل معه في عقله ووجدانه ما نسميه أدوات اقتصاد المعرفة.
ففي اقتصاد المعرفة لا أحد يسأل عن الشهادات بل إن الشهادات العليا غير محببة للمنتسب لاقتصاد المعرفة وأرى أن يقتصر على شهادة البكالوريوس والماجستير مع خبرة عملية لمدة سنتين في شركات تقنية متقدمة عالمية يعتبر مجرد الانتساب إليها تحديا كبيرا لأنها تسأل عن الخبرة والإنجازات والاحترافية والقيمة المضافة التي سيضيفها طالب العمل لديها ولا تهمها الشهادات والتوصيات.
وسيكون مثل هذا الطلب صعب التنفيذ دون اتفاقية مع الدول التي نبعث إليها أبناءنا لتسهل لهم إمكانية العمل في البلد المضيف لفترة محددة، وقد يستطيع الطلبة استخدام وسيلتين متاحتين أولاهما التعليم التعاوني، حيث تسمح بعض الجامعات لطلبتها بالعمل أثناء فترة الدراسة كهدف للتدريب ولمحاولة تعريف طلبتها على سوق العمل ومتطلباته.
والوسيلة الأخرى هي العمل التطوعي خصوصا أن مصروفات الطالب سيتم التكفل بها من قبل وزارة التعليم العالي لدينا وسيكون مدخلا قانونيا يسمح للطالب بالبقاء لمدة سنة أو أكثر حيث قد يروق له العمل ويستقطب ببطاقة عمل دائمة في البلد المضيف، وفي الوقت المناسب سيعود إلى الوطن محملا بعلوم أكاديمية وخبرات احترافية نادرة تساعد على تكوين بيئة اقتصاد المعرفة لدينا.
ويرى المتخصصون أن خبرة سنة بعد الماجستير أو البكالوريوس تعد أفضل من عشر شهادات دكتوراه إذا كانت في مجال متخصص ونادر ونحن لدينا العقول والقدرات والمهارات التي نستطيع المنافسة بها في جميع أوجه الحياة المتعددة.
ولن تكون هناك مخاوف من تسرب النخب من الطلبة الذين مارسوا العمل الفعلي في البلدان المضيفة لأنهم سيشعرون بمدى قدرتهم على خدمة وطنهم المعطاء وسيعودون إلى الوطن تحدوهم الوطنية والخبرة والقدرات المميزة المصقولة القادرة على التغيير وتبييض الوجه وهذا هو ما ينشده خادم الحرمين الشريفين من تبنيه مشروع الابتعاث الخارجي الذي أراد منه أن يشارك المواطن في التغيير.
حيث إن إضافة الخبرة في البلد الخارجي أهم من الابتعاث نفسه وبهذا ستكتمل الصورة التي ارتسمت يوما ما في مخيلة باني مسيرة الإصلاح في وطننا الغالي خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله ـــ حفظه الله.
ولو استطعنا في يوم من الأيام تحويل البرنامج من الابتعاث إلى العمل في تلك الدول فإننا قد نكون أصبنا عين الحقيقة فقد نستبدل القبول في جامعة مرموقة بالحصول على عقد عمل في شركة تقنية متقدمة في دولة متقدمة مع دفع أجر مساو لقيمة العقد للتحفيز والتشجيع تماما كما تدفع للطالب مصروفات الدراسة والإقامة في البلد المضيف.