تنافس المناطق في المسؤولية الاجتماعية

إن ما يؤسف له أن تعوق بعض العوامل تقديم الخدمات الاجتماعية خلاف الوضع الاقتصادي أو السياسي. لكن من الإيجابي جدا أن يكشفها الحديث عنها بشفافية ونشرها بجميع الوسائل الممكنة. وهذا ما سأتابع طرحه بعد أن أقصينا أهم العوامل ونريد أن نحاكي أخرى. سيكون المجتمع أقدر وأمْكن إذا ما تحلى بــ(3) الوعي بأهمية القوانين والأنظمة واللوائح والضوابط وإصدارها في حينها؛ حيث يكفل ذلك الحقوق ويضع المهام في سياقها ويضبط مسار العلاقات والمعاملات ويرتب الأدوار والأعمال ويجعل المجتمع أكثر تماسكا. إذا لم نستطع التغلب على تأخير إصدار الأنظمة فلا سبيل لتقنين أي عمل. (4) الحذر الشديد قبل وخلال وبعد عقد اللقاءات وإبرام الاتفاقيات وتوقيع مذكرات التفاهم لمساعدة مجموعة أو إنشاء نظام أو بداية برنامج تعاوني... إلخ. هذا الحذر يبطئ اتخاذ أي قرار تحولي أو انتقالي لوضع أفضل فتستغرق المراحل مددا أطول وقد تعلق أو تهمل فتجهض الجهود ونتائجها لم تر النور بعد. (5) عدم التعود على ثقافة التفكير في أبعد من الحدود المنظورة كالاهتمام بالبيئة ونشر التوعية الصحية والاهتمام بالسلامة المهنية والمرورية، وغير ذلك. يمكن بالثقة في جامعاتنا والاستعانة بالإعلام الحاذق الرصين أن نعكس النتيجة لتكون إيجابية وشمولية. (6) هناك نسبة من المسؤولية تتحملها الهيئات والوزارات المعنية بالخدمات الإنسانية (دون تخصيص)، وذلك من ناحية خلق التوازن بين التخطيط والإعداد والتنفيذ. فإذا ما تغلب جانب على الآخر تظهر العقبات التي تعرقل مسيرة برنامج أو تنفيذ مشروع وتكون بذلك عائقا أمام تحقيق الأهداف. هنا يمكن إعادة النظر في الهيكلة، وتوزيع الأدوار، وخريطة الانتشار، واستخدام التقنية، وإعادة صياغة السياسات والإجراءات، مع تأهيل وتدريب المنسوبين. (7) الأنانية وحب الانعزالية لدى بعض الأفراد؛ حيث يستأثر بعض الأفراد (قد يكونون في مواقع المسؤولية) بالحصول على التسهيلات لتقديم الخدمات من خلالها، ومنها التحفيز والتشجيع وتحسين المنتجات والمخرجات، لكن تأبى نفسه إلا أن يقطرها تقطيرًا. هنا، يبدأ الوضع بالغبن ثم الكره، ثم نشوء الخلافات التي تباعد بين أفراد المجتمع، ومن ثم تقوض جهود المجتمع في بناء جسور المودة بين بعضهم البعض. القائمة قد تطول ولكن أهل الاختصاص والعلم يملكون الأقفال والمفاتيح وما يراد هنا إلا دعوتهم بالتقدم بنشر المعرفة البناءة لمجتمع يستحق منا نشر ما تعلمناه.
من خلال استعراض وقراءة عديد من مصادر المعلومات اليومية والدورية وجدت أن جهود المسؤولية الاجتماعية بدأت في اتخاذ طريق لها يتناسب وإمكانات المملكة وسمعتها. فها هي جامعة الملك خالد تشارك في أنشطة المسؤولية الاجتماعية مقتربة من جامعات الملك سعود والملك عبد العزيز والملك فهد. كما بدأت بعض المؤسسات الخيرية تطوير مفهوم المسؤولية الاجتماعية بالشراكة والتعاون مع كبرى جامعات العالم لتكون الأنشطة مستدامة. والمتتبع يمكن أن يلحظ الفرق بين أربع سنوات مضت ووقتنا الحاضر، لكن لن نكتفي بما قدم.
منذ عام 2009 لاحظت أن التفاف مجتمع محافظة جدة حول بعضهم البعض ازداد بزيادة الأنشطة الإبداعية واستحداثها من فترة إلى أخرى، وكأنهم معتمدون على خريطة طريق للمسؤولية الاجتماعية في المحافظة. في الواقع كان للجامعة الأثر الكبير في إسهام الطلاب من الجنسين في تكثيف الأنشطة التي تعود على مجتمع المنطقة بفائدة مباشرة أو غير مباشرة. ولقد كانت آخر ما ابتكر أن يقوم طلاب كلية الطب في جامعة المؤسس بحملة توعية المرضى حول الألم والسلامة بعد أي تدخل جراحي اضطر له المريض. هذا يترجم مدى العلاقة الكبيرة بين المنهج الدراسي والحياة الاجتماعية ومسؤولية الطبيب الأستاذ أن يخرج الطلاب في هذه الكلية أطباء مسؤولين شخصيا عن سلامة المرضى وتوعيتهم وتثقيفهم، إضافة إلى تقديم الخدمة لهم سريريًا. هذا النوع من المسؤولية نحو المجتمع ليس له حدود، ولقد ترجم هؤلاء الطلاب بادرة تعد مهنية بحتة، لكن لها جوانب اجتماعية أيضًا. في الواقع لم أعرف عن هذا النشاط إلا باستخدام وسائل التواصل الاجتماعي الحديثة؛ ما يدلل على أن توظيف التقنية لمد جسور التواصل والمعرفة بين الأساتذة والطلاب وأفراد المجتمع له وقع أكبر في هذا الزمن ولا بد من استغلال الفرص.
مما سبق يمكن أن نلاحظ أن مفهوم المسؤولية الاجتماعية لم يعد محصورا في فكر أو متعلقا بقدرة مالية، أو مجمدا في كتاب أو مقال، أو مرتبطا بوسيلة إعلامية واحدة. وبالتالي ليتنا نبدأ بإعداد الدراسات المشتركة مع وزارة الشؤون الاجتماعية لتعزيز دور الوزارة الذي ينهمك في العمل اليومي، ويحتاج إلى تحفيز المسؤولين للتواجد أكثر بين شرائح المجتمع المختلفة. وليت وزارة الإعلام تكرس لتعزيز مساعدة الأقل حظا من أفراد المجتمع في القدرة على الوصول للخدمات أو توفيرها لهم. وهذا يقودنا لفكرة إطلاق قنوات فضائية تعمل على تكريس هذا المفهوم. وليتنا نؤسس لحملات مستمرة خلال العام على مستوى جميع المناطق تحت شعارات مثل ''نحو تحسين جودة الحياة'' أو ''تعزيز المواطنة قدوة حسنة''، أو غير ذلك من مسميات يهمنا فيها المحتوى لإيصال الرسالة. في الجعبة الكثير، لكن بالبدء بالتغيير حتما سيكون هناك تطوير.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي