هل تخطط للغنى أم للفقر؟

للغنى والفقر علاقة برغم التضاد، وتدور تلك العلاقة ''التاريخية'' حول التلازم المستمر، فحيثما وجد الغنى لا بد أن يوجد الفقر، وإلا لو فقد أحد طرفي العلاقة فقد الآخر معه؛ إذ تضيع الميزة، ويصبح الجميع سواء، وهذا إن لم نقل مستحيلا، فهو.. مستحيل!
وبرغم التضاد بين المفردتين هناك تضاد في تعاطي المجتمع معهما ــــ عالمياً ــــ من حيث المعاملة، فقد اعتاد الناس تبجيل الغني، وعدم الاكتراث ـــ إن لم نقل احتقار ـــ الفقير، حتى لو كان هذا الفقير غنياً، لا من حيث المال، وإنما من حيث النفس؛ إذ يبقى بريق المال هو الحسم، وسأناقش في مقالي هذا الجانب المادي، وهل الإنسان يخطط لحياته من أجل أن يكون غنيا؟، وإذا ما كان كذلك، فهل هناك إنسان آخر يخطط أيضاً، لكن من أجل أن سكون فقيراً؟، لا تعجب، فهذه فكرة معروفة، وهي كذلك جزء من كتاب صدر حديثاً بعنوان: Rich Dad للكاتب Robert Kiyosaki.
ربما يكون عنوان المقال غريباً، وقد يقول البعض إنه مجرد سؤال بليد!، نعم. فالجميع يرغبون أن يكونوا أغنياء، لكن السؤال يقول هل تخطط لتكون غنياً أم فقيراً؟، وهو خيارك، إما أن تكون غنياً أو فقيراً، وغالب الناس يقول أنا يستحيل أن أكون غنياً، وينطلقون من أقوال تشتهر شعبياً مثل: ''ترى الفلوس مش سهل تجيبها'' وآخر يقول ''تحسب الفلوس تنزرع ولا موجودة في الشارع''! والأمثال التي تدل على التمني كثيرة وأن تكون غنياً هذا شيء مستحيل، وغالبا ما تسمع هذه الكلمات عند الأشخاص غير الأغنياء.
أما عند رجال الأعمال والمستثمرين، فغالبا ما تسمع كلمات على غرار: كم قيمة الأصول لدينا، وما وضع التدفق النقدي، ما ميزانيتي لهذه السنة، واحتاج إلى أن عمل دراسة جدوى، نسبة المخاطرة... إلخ من هذه الكلمات الاستثمارية، وهذا تطبيق حي لأقوال شعبية أيضا مثل: ''الفلوس تجيب فلوس''، لكن هل بالفعل أن المال يأتي بالمال؟
سمعنا وقرأنا عن كثير ممن ورثوا الملايين وأضاعوها بالصرف والتبذير، وهذا أكبر مثال أن المال لا يأتي بالمال، والحال نفسها تنطبق على من يرث ثروة ثم ينفقها على أمور تافهة، وهنا يكون قد خطط للفقر.
إن الفرق بين الغني والفقير ليس بمجرد المال وإنما بالكلمات؛ فالفقير لا يعرف الفرق بين الأصول والالتزامات ــــ Asset & liability ــــ وهذه مصطلحات في علم المحاسبة والمال، فالأصل هو كل ما يدر عليك من مال وله قيمة، فإذا كانت لديك عمارة تدر مالاً فهي أصل، وإذا كانت لديك سيارة تستخدمها فهذا التزام؛ لأنها تتطلب منك أن تنفق عليها ــــ وقد لا يعجب هذا التعريف المحاسبين، لكني قلت إنه مجازي، ونرى الطبيب الذي يتخرج في كلية الطب لديه عديد من المصطلحات الطبية، وكذلك المهندس ولكل مهنة مصطلحاتها، فإذا كنت فعلاً تريد أن تكون غنياً يجب أن تثقف نفسك في عالم المال والأعمال أولاً، وتضيف إليها كل يوم كلمة حتى تزداد ثقافتك، والشيء المهم الذي يجب أن تتعلمه حتى تصبح غنيا هو القوانين والمال.
من يختار أن يكون غنيا عليه أن يعلم ويخطط من بداية حياته أنه يريد أن يكون دخله عند سن الـ50 مبلغا وقدره على سبيل المثال 50 ألف ريال شهرياً، ويحسب قيمة التضخم لكل سنة، ويبدأ يبحث عن استثمار طويل الأمد يلبي له حاجاته، أما الذي يخطط أن يكون فقيراً يعيش على الراتب ولا يكمل باقي الشهر معه لا، بل تكون عليه مديونيات إذا نظرت لأسبابها تجد أنها صرفت على التزامات وليست على أصول كأن يشتري جوالاً أو سيارة فخمة بالأقساط... إلخ من التزامات غير مبررة.
لذلك؛ فهذا بعض شجن أبثه إليكم، وهو ألا تدعوا الوقت يمر قبل أن تخططوا لمستقبلكم المالي، تذكروا أن النعمة زوّالة، وتذكّر يا من بدأت حياتك الزوجية أن في عنقك عائلة يجب أن تلبي حاجاتها، خطّط لمستقبل أبنائك، استثمر في تعليمهم، وقسّم دخلك إلى ثلاثة أقسام بين التوفير والاستثمار والمعيشة، وثق تماماً أنك بتطبيق هذه المعادلة ستكون غنياً ــــ بإذن الله ــــ، أو على الأقل لن تحتاج أو تقع في الديون، فتعيش غني النفس والمال معاً.. وللحديث شجون وصلة.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي