المتآمرون والماكرون
من أقدم حيل المتآمرين والماكرين على مر التاريخ الإنساني ''دس السم في العسل''. والسبب واضح للعيان، فمن الذي سيقبل على ما فيه دمار لنفسه وهو يعلم، ومن الذي سيتجرع السم الذي فيه حتفه وهو بكامل قواه العقلية. ومن هنا لا بد أن يغلف الماكرون والمتآمرون السم بالعسل، حتى يمكن تقديمه للضحية المراد إهلاكها وقتلها. وتسميم الأفكار لا يقل إجراما عن تسميم الأبدان، ولربما كان أشد خطرا منه، ونتائجه السلبية على المجتمعات والأمم واضحة لأي قارئ جاد للتاريخ. والإنسانية على مر العصور ابتليت بمن يسوق ما فيه تدمير وخراب وبلاء على الناس على أنه الدواء والبلسم لمعاناة الناس ومشكلاتهم، وهؤلاء المسوقون للبلاء والفتن عادة ما يكونون بشعبية عارمة اكتسبت على مر الوقت، بعد تقمص شخصية الصلاح والهداية والرغبة في إصلاح البشر، وتقديم المثل العليا والتمثل بالسلوك القويم وغيره مما يبرع فيه الماكرون، وهم أبعد ما يكونون عن ذلك. ولعل أشهر وأخبث من في وقتنا هذا من المتآمرين والماكرين والخبثاء ملالي طهران ومن يدور في فلكهم من العناصر التي ابتليت بها المنطقة، والتي تسعى ليل نهار لإحداث الفوضى والدمار وإراقة الدماء.
ففي الثلاثاء الماضي عقد في القطيف ما يسمى بـ ''موسم منتدى الثلاثاء الثقافي''، الذي استضاف حسن الصفار. وذكر الصفار في كلمته أن ''المجتمع المحلي يعيش مرحلة نهضة وتوثب للتقدم والتغيير والسعي للأفضل''، وتساءل الصفار عن ''الثقافة التي يحتاج إليها المجتمع في هذه المرحلة، وعن التحديات والصعوبات التي تواجهه أثناء خوضه فيها''.
وأضاف أن هناك ''صراعا حادا بين اتجاهي النهضة والركود''، كما ذكر الصفار في كلمته أن ''ثورات الربيع العربي عززت الأمل لدى المجتمعات العربية وزرعت الثقة بذواتها، على الرغم من أن هناك من يبث ثقافة اليأس والإحباط، ويدعو إلى الفشل وتشويه التجارب وتفسيرها بالمؤامرة التي تنشر الفوضى''، وجاء في كلمته أيضا أن ''وجود أنظمة سياسية قمعية يتطلب إظهار ثقافة نهضوية وأفكار تنويرية لتجاوز الضغوط السياسية''.
ولعل أخطر ما ذكره الصفار ''أن حالة التغيير القائمة تمر في سياقها الطبيعي وإن شابتها العقبات، وأنه ليس من سبيل لعودة الاستبداد، ولا إصلاح دون تضحيات''. ولحسن الصفار ولمن هم على شاكلته أقول إن مرحلة النهوض والتقدم التي نعيش فيها ولله الحمد، نتاج طبيعي للمشروع النهضوي السعودي الذي بدأ منذ توحيد المملكة على يد الملك عبد العزيز رحمه الله، وليتك يا حسن تطرقت أثناء استعراضك التحديات وزعمك أن هناك مؤسسات في بلادنا تسعى لمقاومة الإصلاح، أقول ليتك تكلمت عن التحدي الأخطر المتمثل في المؤامرات والدسائس الإيرانية والكيد الذي يكيده ملالي طهران لنا وللمنطقة، ولكني أعلم أنك لا تجيد إلا تمجيد وتسويق ما صنعته إيران لتمرير مشروعها الفاشل، وما تمجيدك لحزب حسن نصر الله إلا دليل على ما أقول. أنت يا حسن الصفار خير مثال يضرب على العقبات التي تقف في طريق التنوير والإصلاح في بلادنا، أما قولك إن ثورات ''الشتاء'' العربي عززت الأمل لدى المجتمعات والشعوب، فتلك أكذوبة أخرى تسعى لتسويقها كعادتك. يا حسن هل أنت مغيب عن الإعلام، هل أنت ممنوع من قراءة ما يكتب عن هذه الدول ومن جميع أنحاء العالم شرقا وغربا، هل أنت ساذج لهذه الدرجة، أنت يا حسن لا تجهل ما آلت له الأمور في دول ''الشتاء'' العربي، ولكنه مكرك المكشوف، فأنت لا تريد سوى جعل بلادنا جزءا من هذه ''الفوضى الخلاقة'' التي تعصف بالمنطقة. أما ثقافة اليأس والإحباط فأنت من يمارسها ويسوقها، وما خطبك ورسائلك وأحاديثك إلا مثال عليها. ثم ما هذه التضحيات التي لا بد من تقديمها يا حسن كي يتم الإصلاح؟ هل إراقة الدماء من التضحيات؟ هل الدفع بالشباب للقتل وإثارة الفوضى والشغب في القطيف والعوامية والبحرين من التضحيات؟ هل تصوير المجتمعات والأفراد على أنهم أعداء متربصون بأهلنا في القطيف والعوامية والبحرين من التضحيات؟ هل ما تقوم به أنت يا حسن الصفار من التأليب وإثارة الشباب على أوطانهم، والدفع لأن تكون بلادنا على خطى دول ''الشتاء'' العربي من التضحيات؟ بئس الدعوة دعوتك وساء ما تدعو له.
إن تمرير الأفكار الهدامة والمسمومة وتغليفها بغلاف ذي طابع حقوقي، عمل تآمري يؤدي لعواقب وخيمة على الأوطان والبلاد. وعلى جميع المفكرين في بلادنا التصدي لمثل هذا العمل الذي لن يسلم من شره أحد متى ما مرر. إن بلادنا نهضت وتقدمت وازدهرت بفضل وحدة الصف الداخلي، وتساوي حقوق المواطنة والفرص، والمجال ما زال مفتوحا وواسعا للإصلاح والإضافة البناءة المتميزة. لا مكان في بلادنا لضعاف النفوس والمتآمرين، لا مكان في بلادنا لأصحاب الهوى والمصالح، كما ستسقط وتتحطم جميع الدسائس والمؤامرات التي يمكرها أعداؤنا، وستظل بلادنا بعون الله مفخرة للأمم.