المهام الوظيفية للمهن الصحية (2)

لقد وضح تلازم المخاطر والتكاليف العالية في تقديم الخدمات الصحية مع ضعف أو عدم وجود مهام وظيفية موثقة للممارسين الصحيين وذلك منذ وقت طويل. الخيوط تجمعت حول مجموعة من السلبيات مشيرة ومؤكدة أن خلط الأمر على مقدم الخدمة ''كممارس'' وتعامل المشغل أو المشرف بمرونة مع أداء المهام بالتهاون والتجاوز عمن يؤدي ماذا.. أصبحا أمرين لا يمكن تبريرهما. للتدليل على ذلك يمكن تلخيص ما يذهب إليه المختصون فوضعوا الكثير من الإنتاج الفكري الموضح، لذلك خلال العقدين الماضيين من الزمن في التالي: (1) إذا كانت الفروقات بين أداء الممارس والأعباء التي يمكن أن يتحملها المستوى الأدنى عن المستوى الأعلى غير واضحة ومحددة وملزمة فإن الضبابية ستلغي بعض الأدوار أو أن تعلق تحمل الممارسين للمسؤولية. (2) بعدم وجود مهام متفق عليها بأنها موزعة حسب المستوى المهني والعلمي فإن المرفق أو الجهاز يصبح غير قادر على تقييم الممارس أو مقدم الخدمة ماهية ونوعية ما يقدمه من عمل. هنا يصبح تقييم القوى العاملة اجتهاديا ويختلف من جهة إلى أخرى، وبالتالي يفقد التقييم قيمته. هذا يقود إلى (3) صعوبة وضع المعايير وعدم القدرة على الاحتكام لمقاييس علمية مهنية في العمل. في الواقع قد يتسبب في إحباط فئات أو الشعور بعدم الرضا الدائم. (3) قد تقوم المرافق الصحية أو الجهاز المشرف على هذه المرافق بتوظيف أعداد أكبر من الممارسين والفنيين والإداريين لتغطية الفروقات الفردية في كفاءة الفرد ''التي تندرج تحت مظلة تعويض النقص''، وبالتالي تصبح زيادة الأعداد زيادة في المشاكل ومن ثم تدني مستوى الخدمة وما إلى ذلك من تبعات لا حصر لها. هذه قد لا تكون أصلا خطوة مخططا لها عندما بدأ التشغيل والعمل، ولكن اضطرت الإدارة إلى اللجوء لتعويض النقص بطريقة غير سليمة. (4) عدم الارتياح النفسي للممارس يوجهه للاتكالية أو الإهمال بل قد يتعدى الموضوع إلى اتهام الغير بالمسؤولية عن أي قصور أو خطأ. (5) التأخير في علاج المشاكل يؤدي إلى الدعوة فجأة لتحرك سريع في وقت تكون دائرة العمل في هذه الصناعة توسعت ولا يمكن بسهولة تقريب وجهات النظر فيها كما ينبغي. فتحدث الفوضى ويبدأ الضغط على الميزانية بزيادة المصاريف في بنود لم يكن الجهاز مخطط أن تمس.
نأتي الآن لسلامة المرضى، وهل يقف عدم توافر مهام وظيفية واضحة وكاملة أمام تحقيق سلامة المريض رؤية ورسالة وأهدافا وقيما وعملا مهنيا احترافيا؟. مما لا شك فيه أن أي وصف دقيق للمهام الوظيفية سيجعل الممارس متبعا للبروتوكول المعتمد في أداء أي إجراء، وبالتالي أي عمل يعتمد معايير جيدة في الأداء يكون أشبه بالخالي من الأخطاء وبالذات مع البشر. إن عدم توافر أو ضعف صياغة المهام الوظيفية للمهن الصحية وتوثيقها هي من مسببات ارتكاب الأخطاء الطبية، وهذا يعني أن برنامج سلامة المرضى هنا تعرض للتشويش والتشويه وبات من الضروري التدخل لئلا تتفاقم المشكلة.
من أدبيات كتابة المهام الوظيفية أو الوصف الوظيفي الدقيق للمهن هو أن تكون الكتابة احترافية. فلا بد أن يشعر الممارس قبل دخوله موقع العمل أنه في موقع العمل فعلا بمجرد مطالعته للدليل أو اللائحة أو ما أشبه. فالكلمات والجمل لا بد أن تدل على البيئة التي يعمل بها، وبها دلالة على تسلسل زمني دون ذكر التوقيت إلا في الحالات التي تتطلب ذلك، ووصف لوضعية المريض خلال الكشف أو خلال إجراء أي من العمليات المختلفة، وكيفية تبادل الأدوار والأعمال مع المشاركين والممارسين الآخرين في العمل ''سرعةً ونوعيةً''.
في الواقع بالتوجه نحو تصحيح أوضاع المهن الصحية في جوانبها المختلفة لا يوجد كاسب وخاسر، بل كاسب وكاسب. فالمريض يستفيد من تقديم الخدمة المجودة ومقدم الخدمة يستفيد من التحفيز والترقي والتكريم. كما أن أداء المهن بمهارة عالية وتوثيق جيد ومتابعة لصيقة يرفع من سمعة النظام الصحي ككل وهو ما نبحث عنه. أما بالنسبة للقطاع الصحي على وجه الخصوص فتبنيه التعليمات والوصف الدقيق للمهن وتعليمات إجراء العمل اليومي سيبعث الطمأنينة في نفوس أصحاب العلاقة والمسؤولين ويصل بنا إلى تحقيق أهداف استراتيجية الرعاية الصحية في المملكة التي أقرت في عام 1430هـ.
من وجهة نظر شخصية ليت المجلس ''المعني بتنفيذ خطط الاستراتيجية الصحية'' يقوم بوضع نظام كامل وشامل للأداء المهني مثل Code of Conduct للمهن الصحية. يمكن أن يكون ذلك من خلال خطط مرحلية تدريجية تنطلق على هيئة مشاريع صغيرة حسب التخصصات المختلفة من الهيئة السعودية للتخصصات الصحية ومرورا بالجمعيات العلمية الطبية السعودية ووصولاً لوزارة الخدمة المدنية. وبقدرات أعضاء مجلس الخدمات الصحية سيستطيع المجلس التحرك بالمشاريع الرئيسة خلال عام ولباقي التخصصات الفرعية لعام بعد ذلك على أكثر تقدير. هذا سيؤدي إلى حدوث طفرة في الخدمات الصحية وسيكون الإبداع والتطوير لدى الممارسين وأرباب المهن الصحية كنتيجة لتنافسهم أثناء أداء العمل اليومي.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي