نعيب "الفضائيات" والعيب فينا

في هذا الرمضان قد اختليت بنفسي عصر ذات يوم في غرفتي الصغيرة للحظات دون ضجيج نكات صديقي العباس، ولا مضايقات أوامر الأمير صديقي أمير. وامسكت بـ'الريموت كنترول' آذِناً لنفسي مشاهدة ما يُعرض على التلفاز. القناة الأولى كانت تعرض مسلسلاً يغلب عليه الممثلات اللاتي تسابقن إيّاهن تجذب المشاهد أكثر، وأمّا الثانية فقد كانت قناةً اخبارية بيدها مادة عاجلة نقلتها عقِب تنقيحها لتوافق توجهها كما تفعل كل القنوات الاخبارية. الثالثة كانت تعرض برنامج ديني غير تقليدي، هدفه تثقيف الشباب حتى يغيروا أمّتهم للأفضل. الرابعة فقد انشغلت بعرض كليبات الأغاني، فهي بطبيعة الحال قناة غربية ولذلك لم استنكر ما تبثه. على أيّة حال فقد اخترت قناةً واحدة من بين هذه القنوات الأربع. لا يهم ماذا اخترت، المهم أنني اخترت بمحض ارادتي ووفق رغبتي الخاصة.

القنوات الفضائية في رمضان متهمة بالمقام الأول بعرض ما يخدش صيام كثير، وتصرف كثير عن العبادات. بل وصلت الاتهامات بأنها ترفع من منسوب الفسوق والعصيان ونشر الرذيلة وتفشّي الفساد في شهر رمضان الذي تصفد فيه الشياطين لكن دون فائدة. ولا أعلم ما الإيحاء الذي يصور لصاحب الاتهام أن القنوات تتحمل النسبة الأكبر في كل ماسبق. حسناً، دعني أعطيك مثالاً تقيس عليه هذه القضية. فلو أُوتي برجل وقُدِّم له كأسان، الأول امتلأ بلبن والآخر بخمر، ماذا سيشرب؟ بالطبع سيشرب الكأس الذي اختاره هو دون أن يرغمه أحدٌ على اختياره هذا. تماماً كحالك أنت في اختيار القناة التي تشاهدها. والقنوات الفضائية هنا كتجار يبيعون لزبائنهم ما يحتاجونه أو ما يريدونه. فالزبون هنا هو صاحب الكلمة الأولى الذي سيجبر التاجر على جلب البضاعة التي يريد شرائها. لأنه وبكل بساطة لن يشتري من التاجر البضاعة التي لا يريد، ولن يجلبها التاجر كي لا يخسر. إذا هي مسألة متعلقة بحاجة المشتري. وهذا ماتفعله القنوات، تعرض ما يريد المشاهد أن يشاهده لا العكس.

- هذا ما يفسر ذهاب كثير من القنوات التلفزيونية إلى عرض كل هذه المواد بهذه الكيفية، فهي تلبي حاجة ومطالب المشاهد أولاً. وكلما زادت نسب المشاهدة زادت القنوات كفاءتها بهذا التخصص. لأن المشاهدات هي مصدر رزقها التي على إثرها تُحدد قيمة الإعلانات وكميتها، فلم توضع هذه القنوات إلا لِتُشاهد. وأمّا أنت فشاهد ماتختار.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي