الإعلام التنموي

سبق لي الكتابة عن الإعلام ودوره في تحقيق التنمية وتعزيز الأمن الوطني بكل مكوناته، والتأكيد على أن الإعلام الواعي هو السلطة الرابعة لما له من تأثير مباشر وقوي في توجيه المواطنين وغيرهم في مختلف القضايا، ومع الانفتاح العالمي وتطور وسائل الاتصال والتواصل ونقل الأخبار والآراء أصبح الإعلام سلطة أقوى في بعض الأحيان من سلطات الدولة الأخرى، هذه القوة إذا لم تجد العقول الإعلامية الواعية المدركة لدورها ومسؤوليتها في نقل الأخبار والآراء والأطروحات فإنها تقود سفينة أي دولة للغرق - لا سمح الله.
إن الالتفات إلى تعزيز دور الإعلام في تحقيق التنمية الوطنية لم يعد مطلبا ذا صبغة الترف، إنما أصبح أمرا ضروريا، خصوصا في البرامج الحوارية ذات الصبغة الجماهيرية، لأن ما يتم طرحه فيها من آراء ومن يتم دعوتهم من المشاركين يكون له أثر عظيم إيجابيا أو سلبيا في تنمية أي بلد، ولهذا فإن دور الإعلام التنموي يبرز كمطلب ملح في هذه المرحلة، خصوصا عند طرح القضايا الوطنية، ويوازي هذه الأهمية اختيار ضيوف الحوار، لأن الضيف إذا لم يكن متمكنا مما يطرح، ويستطيع أن يوازن ويوازي بين المشكلات والحلول وما تم إنجازه من أعمال، ويستخدم الطريقة واللغة الهادئة غير المستفزة للمشاهد والمحرضة له، فإن التنمية بكل أبعادها ستستفيد من هذا الطرح والآراء والمقترحات، أما إذا جاء الضيف وهدفه فقط إبراز ذاته وقدراته ومنها النقد الجارح غير البناء لكل جهد وإنجاز أو إخفاق، وهو ما نشاهده - مع الأسف - اليوم في عديد من البرامج الحوارية التي يقودها بعض الإعلاميين الذين يدوسون على كل شيء بما في ذلك وطنهم وسمعته من أجل أن يبرز هو ويصبح ذلك العلم المشهور بالنقد والتهجم والتجريح، وهو ما لا يخدم أي قضية سوى قضية مزيد من التأزم المجتمعي غير الصحي.
الإعلام بكل مكوناته واتجاهاته يعتبر عنصرا مهما وداعما لأي عمل كبر أو صغر نظراً للتطور الإعلامي والتواصل المجتمعي الذي تلعبه التقنية، التي جعلت من صناعة الخبر أمرا في غاية الأهمية والحساسية سواء بالإيجاب أو السلب، ومن هنا يأتي الاهتمام بالإعلام التنموي ودوره في دعم أعمال التنمية والتأكيد على ضرورة أن يفعل دور الإعلام، بحيث يصبح قادرا على تحقيق المفهوم الشامل للتنمية من خلال إعلام تنموي يدعم كل مقومات التنمية ويبرز القضايا المجتمعية من خلال الرؤية التنموية التي يبرز المشكلات وتحللها وتقدم الحلول المساندة لصاحب القرار حتى يكون قادرا بعد توفيق الله على تبنيها وتنفيذها.
إن الاهتمام بالمفهوم الأٍوسع للإعلام من خلال الإعلام التنموي وقدرته على التفاعل الإيجابي وملامسة احتياجات المواطنين وتقديمها بشكل حضاري لا يبرز السلبيات ويعتزم الجهود أو يحبط العزائم، إنما يكون طرحا تنمويا هادفا وبناء ويقود نحو تحقيق التنمية ومشاركة جميع أطرافها من مؤسسات حكومية وخاصة وأكاديمية ومؤسسات المجتمع المدني، وتعزز دور المواطن في تحقيق ذلك. وهنا تأتي أهمية الفهم الواعي والمدرك لأهمية الإعلام التنموي، والفهم هنا ينطلق أولا من حسن اختيار المحاورين ومقدمي وناشري الحوارات الإعلامية التي يطلق عليها الإعلام الجماهيري، الذي يشمل مختلف وسائل الإعلام المسموعة والمقروءة والإلكترونية وغيرها من وسائل التقنية الحديثة التي أصبحت أكثر انتشارا وتأثيرا من وسائل الإعلام التقليدية، هذا الإعلام الجماهيري إذا لم يكن القائمون عليه مدركين أهمية الفهم الواعي لمفهوم الإعلام التنموي ودوره في توسيع الحوارات الفكرية لمختلف العاملين والمواطنين بأهمية التنمية والأساليب اللازمة التي تتطلبها عملية التنمية، وترسيخ وتعزيز التطورات الإيجابية في مجالات التنمية الأٍساسية مثل الصحة والتعليم والخدمات والمرافق العامة والأمن وما يقابله من إصلاحات اقتصادية وبيئية وسياسية، لأن الأٍساس في التنمية أنها عملية إنسانية حضارية تعمل على تحقيق الاستقرار المعيشي والتطور الإنساني في مختلف مناحي الحياة، وجعل الحياة العملية أكثر قدرة على الإنتاج بعيداً عن السلبية والإحباط الذي تحاول بعض القنوات الإعلامية وبعض الإعلاميين جر المجتمع نحوهما، ولهذا فإن الإعلام التنموي يكون الأقدر على بث وبعث الأمل والطموح والتطلع لحياة أفضل، وإيجاد المناخ الفكري الثقافي المحفز على العطاء والتطوير والتغيير الإيجابي.
الإعلام التنموي إعلام يبحث عن مصادر الخلل في كل مناحي الحياة ويقدم من خلال النقاش والطرح الإيجابي الحلول التي تساعد متخذ القرار على العمل والإنجاز، بدل أن يقوم الإعلام بإبراز المشكلات والاعتقاد بأنها مشكلات لا يمكن حلها، أو أنها جاءت نتيجة فساد واستهتار أو غيرها من الظواهر التي تجعل المتلقي من الطرفين لا يرى نورا في نهاية النفق. ولهذا فإن قيام الإعلام بإبراز المشكلات وطرح الحلول واتجاه التأثير الإيجابي في كل الاتجاهات التنموية التي تشمل مواقف الأفراد والمؤسسات لجعلها أكثر استشعارا للمشكلات التي تواجه عملية التنمية، وتجعل من الجميع أكثر استعدادا للمساهمة في إيجاد الحلول لها، وربما يقود الإعلام التنموي التنمية إلى مرحلة يكون فيها هو الأقدر على رسم الصورة التنموية التي يجب أن تكون عليها الدولة بكل مكوناتها، حتى نحقق التكامل التنموي بين مختلف شرائح المجتمع ومؤسساته، والبعد كل البعد عمن يقود الإعلام لتشويه كل المنجزات، خصوصا أولئك الذين يعملون على زيادة مكاسبهم الإعلامية الشخصية على حساب الوطن والمواطن، وفق الله الجميع لما يحب ويرضى.

وقفة تأمل :
«غريب ومسافر لحالي
ودروب الأيــــــــــــام تعابه
أدور المنــــزل العالي
أزايم الحمل وأرقى به
ما حب أنا المركز التالي
الأول أموت وأحيا به
وش لو عاد الثمن غالي
روحي على العز وثابه»

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي