الاحتياطي الفيدرالي في زمن الحمائم

يبدو أن معركة إبدال بن برنانكي رئيس مجلس الاحتياطي الفيدرالي الأمريكي قد بدأت. وقد يتوقع المرء أن يتم تحديد رئاسة بنك الاحتياطي الفيدرالي ــ ثاني أقوى منصب رسمي في الولايات المتحدة كما يقال، وثاني أقوى منصب مالي على مستوى العالم بكل تأكيد ــ بواسطة كوكبة خاصة من محافظي البنوك المركزية. ولكن حقيقة الأمر هي أن الاختيار يقوم إلى حد كبير على تقدير رئيس الولايات المتحدة. لذا، فاسمحوا لي باستعراض اثنين من المرشحين الرئيسيين للمنصب، وزير الخزانة الأمريكية الأسبق لورانس سامرز، ونائبة رئيس بنك الاحتياطي الفيدرالي الحالية جانيت يلين.
الواقع أن سامرز ويلين من ألمع الخبراء الذين يتمتعون بخبرة واسعة في مجال الخدمة العامة. وفي حين تبدو الصحافة السائدة عازمة على استكشاف المرشحين وكأنها مبارزة بين شخصيتين متناقضتين، فالحقيقة هي أن كلاً من المرشحين مؤهل بشكل جيد للغاية. وعلاوة على ذلك فإن المعروف عن كل منهما أنهما يعتقدان أن بنك الاحتياطي الفيدرالي لا ينبغي له أن يركز بشكل مفرط على استقرار الأسعار نسبة إلى البطالة. وبطبيعة الحال كان مثل هذا الانحياز الحمائمي ليصبح عائقا؛ غير أنه اليوم يشكل ميزة.
أثبتت البنوك المركزية في مختلف أنحاء العالم أهمية الكفاءة الفنية في السياسة النقدية بشكل متكرر. ووفقاً لبحث نشر في عام 2003 بواسطة الخبيرين الاقتصاديين كريستينا رومر وديفيد رومر، فإن جودة السياسة النقدية تعتمد بشكل حاسم على ما إذا كان محافظو البنوك المركزية يتمتعون بفهم واضح ودقيق لعملية صنع السياسات والتضخم. والواقع أن عشرينيات وثلاثينيات وسبعينيات القرن العشرين كانت عامرة بأمثلة من محافظي البنوك المركزية الذين لم يفهموا الأساسيات، والذين دفعت اقتصادات بلدانهم ثمن عدم فهمهم.
عادة، ينظر المرء إلى رأس البنك المركزي بوصفه حصناً ضد الضغوط السياسية الرامية إلى خفض أسعار الفائدة وزيادة نسبة التضخم. والواقع أن البحث الذي أجريته في عام 1985 عن التضخم واستقلال البنوك المركزية، أظهر أنه في الأوقات العادية يميل المرء عموماً إلى الرغبة في وجود محافظ للبنك المركزي يركز على استقرار الأسعار نسبة إلى البطالة بشكل أكبر، مقارنة بما قد يوليه المواطن المطلع العادي من اهتمام لاستقرار الأسعار. والواقع أن تنصيب رئيس ''محافظ'' للبنك المركزي يساعد على الإبقاء على توقعات التضخم تحت السيطرة، وبالتالي الإبقاء على أسعار الفائدة الطويلة الأجل منخفضة وتخفيف الضغوط الصعودية المفروضة على الأجور والأسعار.
على مدى السنوات الـ 25 الماضية، كان شعار ''استهداف التضخم'' (الذي قدمته لأول مرة في بحث لي نشر في عام 1895)، يخدم كآلية لاحتواء توقعات التضخم من خلال طمأنة الجمهور فيما يتصل بنيات البنك المركزي. ولكن التركيز المفرط على أهداف التضخم قد يكون هدّاما في أعقاب أسوأ أزمتين ماليتين في 75 عاما.
وبدلاً من القلق بشأن التضخم، ينبغي للبنوك المركزية أن تركز على تحفيز الاقتصاد. فالمشكلة الحقيقية هي أن البنوك المركزية قامت بعمل جيد في إقناع عامة الناس بأن التضخم هو الشر الأعظم، حتى بات من الصعب عليها أن تقنع أي شخص بأنها الآن جادة بشأن تحفيز الاقتصاد. ومن هنا فإن تعيين أحد ''الحمائم'' لن يكون بالفكرة السيئة على الإطلاق.
وقد اكتسبت يلين بالفعل سمعة طيبة بوصفها إحدى الحمائم داخل بنك الاحتياطي الفيدرالي الأمريكي، حيث أظهرت خطبها باستمرار انزعاجاً شديداً إزاء ارتفاع معدلات البطالة اليوم. وبرغم أن عديدا من المنتمين إلى جناح اليسار ينظرون إلى سامرز باعتباره رجلاً محافظاً إلى حد مثير للريبة، فإن هذه ليست الحال عندما يتعلق الأمر بالتضخم. والواقع أن بحثه في عام 1991 حول السياسة النقدية يستشهد به على نطاق واسع بوصفه من بين أوائل الأبحاث التي ساقت الحجج لمصلحة تجنب أهداف التضخم المنخفضة للغاية، جزئياً من أجل إعطاء البنك المركزي مجال أكبر لخفض أسعار الفائدة إلى مستويات أدنى. وفي ذلك الوقت كان من الواضح أن سامرز ينظر إلى نفسه باعتباره من حمائم السياسة النقدية: ''كنت لأدعم تعيين أي مسؤول عن السياسة النقدية يحمل في نفسه قدراً أكبر مما أحمله من نفور من زيادة التضخم''.
إذا كانت الأوقات الطبيعية تستدعي وجود محافظ للبنك المركزي يساعد على إرساء توقعات التضخم، فإن لحظتنا هذه هي الوقت النادر الذي يتطلب وجود محافظ للبنك المركزي أكثر بعداً عن التقليدية وعازم على مكافحة توقعات التضخم. إن نسخة البنك المركزي من خلوة الكرادلة في الفاتيكان سوف تواجه صعوبة شديدة في اتخاذ القرار حول إرسال الإشارة إلى يلين أو إلى سامرز ــ أو ربما لشخص آخر ''نائب آخر من نواب رئيس بنك الاحتياطي الفيدرالي السابقين، وهو دونالد كون، الذي يبدو الآن مناسبا'' يبدي توجهات مماثلة.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي