التحديات المزدوجة للتضخم والديون تتطلب أدوات جديدة

العالم يقف على مفترق طرق اقتصادية، وباتت أزمات التضخم والديون أشبه بظل ثقيل يخيم على النظام العالمي، حيث تتسارع معدلات التضخم، وتتراجع مدخرات الأفراد وتضعف قدرتهم الشرائية، ومن جهة أخرى، تتضخم الديون إلى مستويات غير مسبوقة، مهددة الاستقرار المالي للدول الكبرى والصغرى على حد سواء.
إن هذا الواقع الصعب، الذي تشكلت ملامحه بوضوح خلال السنوات القليلة الماضية، يكشف عن نظام نقدي عالمي يرزح تحت وطأة سياسات تقليدية لم تعد قادرة على مجاراة التحديات المعاصرة.
في 2022 سجل العالم معدلات تضخم قياسية بلغت 8.8%، ما جعل أسعار السلع الأساسية مثل الغذاء والطاقة ترتفع بشكل جنوني.
في المقابل، تجاوزت الديون العالمية حاجز 300 تريليون دولار، أي ما يعادل ثلاثة أضعاف الناتج الإجمالي العالمي، وهذه الأرقام ليست مجرد إحصائيات صامتة، إنها تمثل حقائق مريرة تعيشها الحكومات التي أصبحت عاجزة عن تمويل الخدمات الأساسية، والأسر التي تواجه ارتفاعًا مستمرًا في تكاليف المعيشة، التضخم ينهش جيوب الأفراد، والدين يقيد الحكومات، وكلاهما يضع الاقتصاد العالمي في حالة شلل تدريجي.
النظام النقدي الذي نعتمد عليه اليوم، يرتكز بشكل أساسي على أدوات مثل أسعار الفائدة، التي تستخدم كأداة رئيسية لضبط التضخم والتحكم في الدورة الاقتصادية.
لكن هذا الحل الذي بدا فعالًا في الماضي، أصبح مصدرًا لأزمات جديدة، والفوائد المرتفعة التي تُفرض في محاولة للسيطرة على التضخم، تضيف أعباء مالية ضخمة على الاقتصادات، والنتيجة، نظام يدور في حلقة مفرغة، أزمات تولد أزمات، وحلول قصيرة تفاقم المشكلات على المدى البعيد.
وسط هذا المشهد القائم، تبرز الحاجة إلى أدوات جديدة مساعدة، وتبرز هنا فكرة "سلة الوسيط الإنتاجي" أملا قد يعيد تشكيل الاقتصاد العالمي، ليست مجرد أداة، بل هي رؤية جديدة لعالم يرتبط فيه الاقتصاد النقدي وهو مصدر الأزمات بالاقتصاد الحقيقي، حيث تتكون من أصول مستقرة، مثل الذهب والسلع الأساسية التي تعتمد عليها الشعوب في الغذاء والبناء والنفط والحبوب، وهي أداة لضبط السيولة وتمويل المشاريع دون الاعتماد على فوائد مرتفعة، ما يساعد على التحكم في التضخم وتقليل أعباء الديون، وتسهم في امتصاص السيولة الزائدة.
التحديات التنفيذية في إنشاء "سلة وسيط إنتاجي" تتطلب توافقًا دوليًا بين الدول والمؤسسات المالية، وهو أمر صعب في ظل الاختلافات السياسية والاقتصادية، كما أن تقلبات الأصول لها تأثير في قيمة السلة وستتأثر بتقلبات الأصول المكونة لها، ويمكن التغلب عليها من خلال الحد من دخولها في السوق الثانوية إلا إذا كانت للتداول المرتبط بالاقتصاد الحقيقي، بهدف تحقيق توازن بين السيولة اللازمة للمعاملات الاقتصادية والحد من المضاربات، ويمكن للمتداولين تقديم دليل على استخدام الوحدات في معاملات تجارية حقيقية (مثل عقود شراء سلع) في مشاريع إنتاجية أو استيراد سلع أساسية.
تطبيق هذا الحل يتطلب تغييرات جذرية في النظام النقدي العالمي وإعادة هيكلة السياسات النقدية للبنوك المركزية ليتوافق مع هذه الإدارة المساعدة، التي لا تغني عن سعر الفائدة الحالية ولا عن تحسين كفاءة الإنفاق الحكومي وإعادة هيكلة الديون ومحاربة العوامل غير الاقتصادية مثل الفساد وضعف المؤسسات الحكومية.
أخيرا: التضخم والديون يهددان النظام الاقتصادي العالمي، وتمثل "سلة الوسيط الإنتاجي" أداة مساعدة جديدة تجمع بين النقدية والسلعية للاستثمار في الإنتاجية، مع قدرتها على سد الثغرات التي تركتها النظريات الاقتصادية التقليدية ضمن أدوات البنوك المركزية في النظام الاقتصادي العالمي، ورغم التحديات التنفيذية التي قد تواجهها، تحمل في طياتها حلًا عالميًا على المدى الطويل، وجزءا من إصلاح النظام النقدي العالمي.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي