حق المعلم في أسهم تخصيص قطاع التربية والتعليم

''تحرير''، ''تخصيص''، ''بطالة''، ''سعودة''، و''رفاهية اقتصادية''.. سلسلة من التطورات الاقتصادية التي حدثت في الاقتصاد السعودي خلال العقد الماضي. فـ ''تحرير'' الاقتصاد يعني إزالة جميع التحديات أمام القطاع الخاص لإحلاله محل القطاع العام في مهام إنتاج وتوزيع المنتجات والخدمات في السوق المحلية من خلال ما يعرف بآلية الخصخصة. و''الخصخصة'' تعني ما يقوم به القطاع العام من أجل تقليص دوره في تملك وإدارة المؤسسات الوطنية، بهدف إشراك وإيجاد دور أكبر للقطاع الخاص في تنمية الاقتصاد الوطني. وعادة ما يرتبط مفهوم ''التحرير'' بالقطاعات الإنتاجية الجديدة التي لم تكن موجودة في السوق السعودية، كـ ''التأمين''، و''الإعلام''، و''الاستثمار''، بينما يرتبط مفهوم ''الخصخصة'' بالقطاعات الإنتاجية القائمة التي تولى القطاع العام السعودي إنتاجها وتوزيعها في السابق، كـ ''الاتصالات''، و''الطيران المدني''، و''الطاقة''، وأخيراً وليس آخراً، ''التربية والتعليم''.
تقودنا هذه المصطلحات إلى النظر في التجربة السعودية في تحرير الاقتصاد وتخصيص مجموعة من قطاعاته الإنتاجية. فتجربة تخصيص قطاع الاتصالات حدثت مطلع العقد الماضي من خلال عملية اكتتاب عام كبيرة، أسهمت في إعادة جاذبية السوق المالية السعودية. أدت عملية التخصيص هذه إلى إسناد أنشطة كانت تؤدى بأيدي منسوبي ''الاتصالات السعودية'' إلى شركات القطاع الخاص التي أسندتها بدورها إلى عمالة وافدة لأسباب غير منطقية، من أهمها تقليل تكلفة التشغيل وزيادة الإنتاجية بعد أن كانت تقدم بأيدي عمالة وطنية. من الأمثلة على هذه الأنشطة أنشطة تركيبات الهاتف الثابت وإعادة بيع خدمات الاتصالات. أسهمت هذه الممارسات على مستوى الرفاهية الاقتصادية لمنسوبي قطاع الاتصالات.
ثم حدثت بعد ذلك تجربة تخصيص قطاع الطيران المدني من خلال التصريح لمجموعة من شركات القطاع الخاص بتقديم خدمات المساندة للطيران، ما أسهم في زيادة عدد شركات القطاع الخاص العاملة في قطاع الطيران المدني وتنوع خدماتها ومنتجاتها. وعلى الرغم من ذلك إلا أن حالة مشابهة لما حدث في قطاع الاتصالات حدثت في قطاع الطيران المدني عندما أسندت مهام خدمات المساندة إلى عمالة وافدة لأسباب غير منطقية، من أهمها تقليل تكلفة التشغيل وزيادة الإنتاجية كذلك. من الأمثلة على هذه الأنشطة أنشطة الخدمات الأرضية والتموين الغذائي. أسهمت هذه الممارسات على مستوى الرفاهية الاقتصادية لمنسوبي قطاع الطيران المدني.
وحدثت بعد ذلك تجارب عديدة، من أهمها تحرير قطاع الاستثمار بإنشاء هيئة السوق المالية والتصريح لمجموعة كبيرة من الأشخاص بمزاولة العمل الاستثماري في السوق السعودية، وتحرير قطاع الإعلام بالتصريح لعدد كبير من المؤسسات والشركات الإعلامية بالعمل في السوق السعودية، وتخصيص قطاع الطاقة بإنشاء هيئة تنظيم الكهرباء والإنتاج المزدوج والتصريح لعشرات شركات إنتاج ونقل وتوزيع المياه والكهرباء، وتحرير قطاع التأمين والتصريح بإنشاء عشرات شركات التأمين وإعادة التأمين بإشراف مؤسسة النقد العربي السعودي، وأخيرا وليس آخراً، قطاع التربية والتعليم من خلال العمل لتخصيص مجموعة من الخدمات المساندة في القطاع، كالمباني المدرسية، والنقل المدرسي، والتغذية المدرسية.
تقودنا القراءة السريعة لعدد من تجارب التخصيص الوطنية إلى النظر في عملية تخصيص قطاع التربية والتعليم لأمرين. الأول أن النسق المنطقي سيقودنا إلى افتراض أن العملية ستراعي تجارب التخصيص الوطنية السابقة لتوثيق إيجابياتها وتفادي سلبياتها على أرض الواقع. والآخر أن العملية ذاتها ترتبط بأهم القطاعات المخصصة على الإطلاق نحو تحقيق مزيد من تميّز العملية التنموية الوطنية.
فمن أهم مقومات عملية تخصيص قطاع التربية والتعليم المعلم؛ كونه عماد العملية التربوية، الذي بصلاحه تستقيم العملية وتنمو وتستديم. يمثّل هذا المعلم شريحة تعدادها التقريبي 500 ألف معلم ومعلمة يعملون في قطاع التعليم العام الحكومي ضمن سلم رواتب الوظائف التعليمية. يضاف إليهم زملاؤهم وزميلاتهم في قطاع التعليم العام الأهلي. من أهم مقومات صلاح هذه الشريحة رفاهيتهم الاجتماعية التي تعتمد في الأساس على رفاهيتهم الاقتصادية. وأهم الدروس المستفادة في تجارب التخصيص الوطنية السابقة أن الفرص الاقتصادية في القطاعات المخصصة تشكل عوامل جذب لمنسوبي القطاع ذاته للعمل في هذه الفرص، ما يترك آثارا سلبية على نمو القطاع واستدامته في المستقبل.
وهنا حجر الزاوية الذي يفترض أن ما حدث في الأمس قد يحدث في الغد في قطاع التربية والتعليم هذه المرة. ففي الوقت الذي تسعى فيه الجهود إلى تطوير المعلم ضمن مشروع خادم الحرمين الشريفين لتطوير التعليم العام ''تطوير'' فإنه من الأهمية التأكيد على دعم هذا المعلم ضمن المشروع الموازي لـ ''تطوير''، المتمثل في تخصيص قطاع التربية والتعليم. تطوير اقتصادي من خلال تمييز المعلم ضمن جمهور المساهمين المستهدفين في عمليات الطرح العام لأسهم الشركات الجديدة في قطاع التربية والتعليم بمنحه أداة مالية تمكنه من أن يصبح شريكا مؤسسا في هذه الشركات. مساهمة ستدعم جانب انتماء المعلم للعملية التربوية وتكون رافدا لعمله دون كلل أو ملل وبتركيز كامل نحو تطوير مخرجات التعليم العام واستدامة تميّز هذه المخرجات وريادتها.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي