مشروع النقل العام .. مقترحات لتخفيف الآلام
أطلقت هيئة تطوير مدينة الرياض مشكورة مشروعها الجبار للنقل العام، المسمى ''مشروع الملك عبد العزيز للنقل العام''، الذي أعلنت تكلفته الإجمالية بمبلغ ٨٤ مليار ريال، والمشروع يشمل القطارات والحافلات، وهو مشروع جبار وحيوي للعاصمة لفك الاختناقات المرورية، التي تكاد تقتلها.
حسبما أعلن عن المشروع فإنه يتكون من ستة محاور رئيسة بطول ١٧٦ كيلومترا، ويشمل أربع محطات رئيسة و٨٥ محطة فرعية، هذا المشروع الذي لم تشهد مدينة الرياض مثيلاً له من قبل، يتوقع أن يستغرق تنفيذ المشروع ٤٨ شهراً، مع ثمانية أشهر للتحضير قبل التنفيذ، وأربعة أشهر للتسليم بعد التنفيذ، ومعنى ذلك أن الرياض ستشهد ورشة عمل ضخمة تعم جميع أرجائها وتغير تفاصيل مفاصلها، وتعكر مزاج سكانها لمدة خمس سنوات قادمة.
بالنسبة لسكان الرياض وزوارها، لا يساورني أدنى شك أن الرياض ستكون خلال السنوات الخمس القادمة كابوسا، وستتأثر بهذا الكابوس الحركة الاقتصادية بالتأكيد نتيجة ذلك، كما سيؤثر ذلك في العلاقات الاجتماعية والأعمال، نتيجة صعوبات الحركة وتأزم الطرق، وما يترتب عليها من تضييع للوقت، إضافة إلى التأثير السلبي في الخدمات نتيجة الأعمال، التي أتوقع أن تؤثر في البنية الأساسية بشكل كبير على شكل انقطاعات مؤقتة في المياه والكهرباء والهاتف وشبكات الإنترنت، وأخيراً الضغوط النفسية التي ستزيد من معاناة سكان الرياض عن المعدلات الحالية.
الرياض في حاجة إلى حلول إبداعية غير تقليدية خلال السنوات الخمس المقبلة، حتى يتم تدشين مشروع القطارات والنقل العام بأقل أضرار ممكنة، ومن المقترحات الممكن تقديمها بهذا الخصوص ما يلي:
- تفعيل الجهود والتحفيز الإيجابي والسلبي لإنهاء المشروع، وفق البرنامج الزمني المحدد بدون تأخير، وذلك بالتخطيط والإدارة والرقابة الفاعلة، وتذليل العقبات التي قد تواجه التنفيذ.
- التنسيق التام بين الجهات الحكومية والأهلية ذات العلاقة بالمشروع، لضمان سير المشروع بالشكل المطلوب وعدم التضارب خلال التنفيذ، والتقليل من الاختلافات، التي قد تؤثر في المشروع، وتؤثر في البرنامج الزمني، أو كفاءة الإنجاز، وأقترح هنا أيضاً أن يدار تنفيذ المشروع عن طريق غرفة عمليات تشارك فيها جمبع الجهات ذات العلاقة وبمستويات تمثيل عالية حتى تكون الإدارة وردود الفعل ديناميكية سريعة وفاعلة.
- زيادة فعالية المعاملات الإلكترونية للجهات الحكومية خاصة، بحيث تقلل من الحركة لإنهاء المعاملات في شوارع الرياض.
- فتح الفروع وزيادة القائم منها للدوائر الحكومية وغيرها ذات العلاقة بالمواطنين في أنحاء مدينة الرياض، مثل الجوازات، والأحوال المدنية، والمرور، والعمل، والتجارة والصناعة، والغرف التجارية... إلخ.
- تقليل استضافة المؤتمرات الحكومية والتجارية خلال مدة تنفيذ المشروع، وتحويلها إلى مناطق المملكة الأخرى.
- تحويل بعض الطرق مبكراً، وإعادة تأهيل الطرق البديلة، بخطط واضحة، وتجهيزها وسفلتتها بشكل ممتاز، يستوعب التغييرات التي ستحدث في محاورها.
- تكثيف الرقابة المرورية لتنظيم المرور والحركة وتقليل المخالفات التي نراها كل يوم، التي يصنف بعضها كمخالفة، ويزيد البعض عليها بسوء الخُلق والأدب، بما يسهم في منع الفوضى وانسيابية الحركة وتقليل التكدسات المعطلة للسير.
- التدريب الفاعل والرقابة الشديدة على رجال وعربات المرور، وزيادة أعدادهم، حيث إن لهم دورا كبيرا في ضبط السير والرقابة والتوجيه، وقد يجمع أغلبية السائقين على أنهم يعانون الأمرين من سلبية رجال المرور وضعف مهنية الكثير منهم.
- إعادة برمجة وترتيب دوام الجامعات والمدارس والجهات الحكومية والقطاع الخاص، وذلك ليتم تخفيض معدل السيارات والحركة في الشوارع، بتوزيعها توزيعاً يناسب الحركة في الشوارع، ومن الممكن أن يتم التغيير بشكل أكثر ديناميكية وفق الأحياء.
- تصميم برامج آلية (رسمية) للهواتف الذكية عن طريق الهيئة العليا لتطوير مدينة الرياض، مهمتها توضيح الازدحامات المرورية وشوارع التكدس واقتراح البدائل للشوارع المزدحمة، ما يسهم في توزيع حركة السير بعيداً عن بؤر الازدحام، كما أنه يُيسر على السائقين استخدام الشوارع الأقل ازدحاماً وأسرع وصولاً لوجهاتهم المطلوبة.
- إنني أدعو إلى دراسة مقترح لنقل الحكومة بمستواها الأعلى إلى مدينة جدة حتى انتهاء المشروع، وهذا المقترح من شأنه أن يخفف العبء بشكل كبير على مدينة الرياض، حيث إن مدينة الرياض خلال هذه الفترة ستخفف من أعباء المواكب الرسمية، والمؤتمرات الحكومية، والوفود الرسمية الثنائية وهذه الثلاثية يترتب عليها عادة جهود كبيرة مكثفة وإرباك شديد للطرق، يحدث ذلك في الوضع الحالي، فكيف بالأمر والشوارع في حالتها المتوقعة، مستقبلاً، التي أتخيلها مثل ''الإسباجتي''، من حفريات وتغييرات وتحويلات وانسداد للشوارع.
هذه مقترحات أولية تقبل الخطأ والصواب، كما يمكن أن يتم عليها التعديل والإضافة، وهي تحتاج إلى تحليل ومن ثم إعادة ترتيب أولويتها وتطبيق ما يمكن منها، وإن كنت أعتقد أنها جميعاً ممكنة التطبيق إذا توافرت لها الإرادة والعزيمة، كما أن الهيئة بتاريخها المشرف وإنجازاتها الشاهدة لها قادرة على أن تكون العلامة الفارقة في المشروع بحسن إدارته والإشراف على تنفيذه، وفي الوقت نفسه، فإني أحذر بأنه دون عمل جاد وفعّال لتلافي سلبيات تنفيذ هذا المشروع الجباّر، فإن المشروع سيتحول إلى فيلم مرعب يشهد فعالياته سكان الرياض وزوارهم يومياً على مدار خمس سنوات، أعاننا الله عليها بالصبر والاحتساب.