وزارة العمل .. بين جمال التنظير وفداحة التطبيق
أقرأ وأسمع كثيراً عن جهود وزارة العمل، وتحول كثير من تعاملاتها إلى تعاملات إلكترونية، وسرعة إنهاء الإجراءات في كثير من الحالات، ولاحظت بعضا من ذلك عند مراجعتي مكتب الاستقدام الخاص بالعمالة المنزلية، ولم يسبق لي مراجعة الوزارة، حيث كان ذلك دور ''المعقب''، أخيرا قادني سوء حظي إلى الاضطرار لمراجعة مكتب وزارة العمل الواقع في طريق خريص في مدينة الرياض.
المخالفات التي شهدتها والفوضى الإدارية يصعب وصفها، وسأحاول أن أتعرض لأهمها والتعليق عليها باختصار شديد، لعل وزارتنا الديناميكية تجد حلولاً لها.
1 - الموقع والمواقف: يقع المكتب في موقع حيوي يسهل الوصول إليه لمن هم في شرق الرياض، لكن أسوأ ما في الموقع مواقف السيارات غير المتوافرة على الإطلاق، فالأمن يمنعون الدخول للمواقف الداخلية المتوافرة إلا للمصرح لهم! لذلك تجد السيارات فوق الأرصفة بشكل غير نظامي، وتستخدم مواقف المحال التجارية المجاورة بشكل غير شرعي، ولا سبيل سوى ذلك، الغريب كيف اختارت الوزارة هذا الموقع في ظل هذه الأزمة الخانقة للمواقف في منطقته؟ الأغرب من ذلك موافقة البلدية على تخصيص هذا الموقع للوزارة في ظل عدم وجود مواقف سيارات كافية، ما أدى إلى هذه الفوضى المرورية.
2 - الاستقبال: في كل صالة يوجد استقبال مهمته الرد على الاستفسارات وإعطاء الأرقام، مشكلة الموظف أنه مشحون قبل أن يبدأ الدوام، فعلو الصوت أمام المراجعين ظاهر، والأرقام كأنه يصرفها من جيبه الخاص، فلا تعطى إلا بعد التحقيق مع المراجع، والرفق بالمراجعين غير متوافر، في كل مكان في العالم تعطى الأرقام إما إلكترونياً بأجهزة في الاستقبال، أو بمواعيد مسبقة عن طريق الموقع الإلكتروني فتأتي وأنت تعرف الموعد التقريبي لاستقبالك، هنا الوضع مختلف.
3 - الأرقام والدخول: هذه الأرقام وصلت رقم 50 تقريباً في نصف الساعة الأولى، أي في حدود الساعة ٧:٣٠ صباحاً، وذلك قبل بدء الدوام بنصف ساعة، حيث يبدأ الموظفون باستقبال المراجعين الساعة الثامنة، يصل معدل الخدمة إلى عشرة أشخاص في الساعة تقريباً، معنى ذلك أن من حضر قبل الثامنة سيتم خدمته في الساعة الثانية بعد الظهر، حيث ستضيع ساعة إضافية لوقت صلاة الظهر!
4 - فاعلية الموظفين: في القاعة التي يحرسها أمن الوزارة ١٦ مكتبا للمراجعة (كاونتر)، العجيب أنه لا يوجد إلا ثلاثة موظفين لخدمة المراجعين، وباقي المكاتب خالية باستثناء مكتب يشغله مدير الصالة الذي لا يمكن الوصول إليه أو التفاهم معه إلا بالحصول على رقم آخر.
5 - الوكالة الشرعية غير مقبولة: لم أصدق أذنيّ حينما قال لي المعقب إن الوكالة الشرعية غير مقبولة في المكتب، ولا التفويض المصدق! تحدثت مع موظف الاستقبال الذي شرح لي بلهجة فظة أن هذا هو النظام المعمول به، طلبت مقابلة مدير الصالة، وبعد شرح الموضوع له أكد لي أن الوكالة الشرعية غير مقبولة إلا إذا كانت لقريب من الدرجة الأولى! لم أصدق أذنيّ مرة أخرى!
يا ترى ما فائدة الوكالة الشرعية إذا كانت الوزارات لا تقبلها؟ حجة مدير الصالة أن الوكالات سببت لهم مشكلات، حيث يأتيهم الموكل ويحتج على التأشيرات التي صدرت دون علمه! يا الله .. معنى ذلك أن الوكالة الشرعية لا قيمة لها! إذا حدثت أخطاء في استغلال الوكالة بشكل غير شرعي فهو خطأ الموكل، وهو الذي يجب أن يدفع ثمن توكيله الخاطئ، والجهات القضائية والشُرط هي المكان المناسب لشكواه .. وتساءلت هل يتم تطبيق هذا الإجراء على المسؤولين؟ بل هل يتم تطبيقه على موظفي الوزارة أنفسهم؟
6 - وقت المراجعة: بعد تسلم المعاملة من المراجع والتحقق من اكتمال الأوراق وصحتها وصلاحيتها واستحقاق التأشيرة، يفاجئك الموظف بإبلاغك بالمراجعة بعد شهرين لتسلم التأشيرة! أين نحن؟ في عصر التقنية والسرعة يتوقع المراجع أن يتم تسلم التأشيرة مباشرة، مثل ما هو مطبق في مكتب الاستقدام.
وزارة العمل في وجه المدفع، وتواجه المجتمع والأفراد ورجال الأعمال في أكثر من جبهة، فهل هي في حالة استعداد لاستفزاز إضافي للمجتمع والمواطنين بسوء الإدارة والخلل في التنظيم والبطء في الإنجاز والفوضى في العمل؟
هناك دوائر حكومية عديدة نجحت في تغيير آليات عملها، وتحسين الصورة الذهنية السلبية حولها، بتبسيط الإجراءات، وميكنة العمل، واستقطاب الأكفاء، وتدريب العاملين، ومن أبرز الأمثلة لذلك الأحوال المدنية.
كل تعقيد جديد سيجلب من خلفه فسادا كبيرا، وليس أكثر فاعلية في محاربة الفساد في أي مؤسسة حكومية من تبسيط الإجراءات والشفافية، ووزارة العمل ليست استثناء من هذه القاعدة.
قبل أن أختم المقال أتقدم للوزارة ببعض المقترحات لعلها تجد أذناً صاغية وقلوباً واعية، ومن أبرز هذه المقترحات:
1 - قبول الوكالات الشرعية سارية المفعول، ويمكن تفعيل آليات عديدة للتحقق من صحة الوكالة وسريانها، ولعل هذا المقام ليس كافياً لشرحها.
2 - زيادة عدد الموظفين الذين يقومون بخدمة المراجعين، خاصة أن ذلك يساعد على السعودة وتخفيض نسب البطالة التي تنادي بها الوزارة.
3 - زيادة نوعية وكمية التعاطي الإلكتروني، ما يقلل من زيارة فروع الوزارة للحد الأدنى.
4 - تدريب الموظفين للتعامل مع المراجعين كعملاء يجب خدمتهم بأسلوب راق وبخلق متواضع.
5 - عمل نظام إلكتروني لأخذ مواعيد للمراجعة عن طريق الإنترنت، بحيث يقل استخدام الأرقام، ومعها الانتظار الطويل غير المبرر في صالات وزارة العمل.
6 - وضع أجهزة أمام المراجعين لتقييم الموظف بعد كل خدمة لكل عميل، بحيث يعرف الموظف أن حسن خدمته للعميل لها أثر في تقييمه الكلي، وهذه الأجهزة مطبقة في مكتب وزير الداخلية الذي يقدم خدمات رائعة شكلاً وموضوعاً.
7 - استئجار أو شراء بعض الأراضي والعقارات المحيطة بالوزارة، وبناء مواقف عليها لتستخدم من قبل المراجعين.
النتيجة الوحيدة الإيجابية من وراء زيارتي لمكتب العمل هي مزيد من التقدير للمعقبين، ودعاء لهم بالصبر، وتأييد لهم بزيادة في الأجور.