انتهت المهلة .. ماذا بعد؟

أخيراً .. انتهت مهلة تصحيح أوضاع العمالة مع نهاية العام الهجري 1434هـ، فهل نكون بتاريخ 1/1/1435هـ قد بدأنا عاماً جديداً دون عمالة مخالفة.
في فترة التصحيح بذلت الجهات المختصة مشكورة جهوداً جبارة لإنهاء التصحيح في الوقت المناسب، ولم تتمكن من تنفيذه في المدة الأولى فمددت المهلة التي انتهت أخيرا. مرحلة التصحيح كانت مهمة صعبة وقاسية للجهات المختصة وللوافدين المخالفين وكذلك لأصحاب العمل والمواطنين.
مشكلات العمالة الوافدة في المملكة ليست وليدة شهر أو سنة أو عقد، إنها مشكلة ولدت مع تقنين الإقامة في السعودية، هذه المشكلة لم يكن أثرها في يوم من الأيام هامشياً، لذلك كان أثر حملة التصحيح التي تعالج مشكلات عشرات السنين عنيفاً على الاقتصاد والمجتمع والفرد، كيف لا والعمالة الأجنبية تمثل أكثر من 25 في المائة من المجتمع.
هذه العمالة الوافدة غير النظامية كانت تمثل التناقض لكثير من فئات المجتمع، فالمستفيد يراها رحمة، والمتضرر يراها أزمة، ويقف الآخرون على مسافات مختلفة وفق وجهات النظر المتنوعة تجاه المشكلة.
ولا شك أنها كانت رحمة حيث كان يمكن أن تجد العامل والفني بسهولة وبسعر رخيص، كما أنها كانت في الوقت نفسه أزمة، حيث تسببت في مزاحمة المواطنين على أبواب الرزق، وأقلقت الجهات الأمنية، وأسهمت في انتشار البطالة والاعتماد على العمالة الوافدة حتى في أبسط الأعمال.
لذلك على المواطنين التجهز لمرحلة جديدة، وهي مرحلة طبيعية في هذا السياق لنكون مثل باقي شعوب الأرض، فنتقن بعض المهارات المنزلية بأنفسنا، فنعتني بالحديقة، ونعالج مشكلات السباكة والكهرباء البسيطة، والصيانة المنزلية العامة، ونقرأ الكتالوجات لنعرف كيف تستخدم الأجهزة ... إلخ.
ليس ذلك فحسب بل الأهم أن يستعد المواطنون لمرحلة أهم، حيث يتوقع أن ترتفع تكاليف المعيشة نتيجة ذلك، فندرة العمالة الرخيصة ستتسبب في زيادة الأسعار، وبالتالي ارتفاع التكاليف سواء كان ذلك بشكل مباشر بزيادة تكلفة الفني والعامل من سباك وكهربائي ونجار ودهان نتيجة للندرة أولاً، وبسبب التكاليف الإدارية التي ستنشأ عن التنظيم والسعودة والمصاريف الإدارية ثانياً، أو الزيادة التي ستحصل بشكل غير مباشر نتيجة ارتفاع تكاليف الشركات والمؤسسات التي تقدم الخدمة، بالتالي تزيد تكلفة المصانع والشركات مما سيدفع ضريبته في النهاية المواطن الذي يعتبر المستخدم النهائي للخدمة والمشتري الأخير للسلعة. كما يتوقع أن تتأخر الكثير من الأعمال خاصة الصيانة والتشغيل والإنشاءات نتيجة انخفاض العمالة المدربة وغير المدربة في السوق، وبالتالي صعوبة تنفيذ الأعمال كما كان في السابق.
من المهم أن ندرك أيضاً أن هذا التصحيح، إذا ما استمر التشديد فيه وأؤكد ذلك إذا ما استمر التشديد فيه، فسيكون فرصة ممتازة للشباب للحلول محل العمالة الوافدة التي غادرت البلاد، أو بتأسيس شركاتهم التي تقدم خدمات مماثلة لتلك الخدمات بغطاء رسمي وشرعي صحيح.
مع التشديد والتعقيد والبيروقراطية المتزايدة تزيد قيمة الواسطات، ويكون للسلطة قوة أكبر، وتنشط سوق الرشاوى، لذلك فإني أحذر من استغلال الأوضاع الجديدة ضد الوطن والمواطن، فننتهي بأننا ارتحنا من مشكلة لنتحول إلى أخرى، ولا يخفى على أحد الأوضاع في بعض المؤسسات الحكومية، حيث الراتب المحدود والإمكانية الكبيرة لاستغلال المنصب.
ليس سراً أن نقول إن بعض الموظفين من ضعاف النفوس استغلوا مهلة التصحيح وتحصلوا على مكاسب غير شرعية، دفعها لهم ضعاف نفوس آخرون من المواطنين والمقيمين ومؤسسات القطاع الخاص، وكان الوسيط في كثير من الأحيان لهذه العمليات غير الشرعية هم بعض من أصحاب مكاتب الخدمات العامة وموظفيها.
كما أنه ليس سراً أن التأشيرات والإقامة كانت إحدى عمليات الإثراء غير المشروع، لدى بعض المواطنين والمتنفذين، الذي كان يتم عياناً بياناً، فتجد الكثير من الوافدين يعملون عند غير كفلائهم، ويتحصل هؤلاء الكفلاء على إتاوة شهرية، وإتاوة عند السفر والعودة .. وهكذا.
إن التحدي الأكبر لتصحيح الأوضاع ليست الأنظمة، ولكن القدرة على تطبيق النظام بحزم وعدالة واستمرارية، وأشدد هنا على أهمية التقنية في حجب الكثير من إشكاليات الاستغلال، ولكنها وحدها لا تكفي، فنحتاج معها للرقابة المشددة، وللمتسوق الخفي، والرقابة الداخلية، وتفكيك الإجراءات الموحدة، وتقنين الصلاحيات، وتدوير الموظفين، وحماية الوطن من بعض المتنفذين، كما أن الجهات ذات العلاقة يتوقع منها مجهود أكبر في هذا الصدد للرقابة والتطبيق والقدوة والحزم في العقوبة، وأخص بذلك وزارات الداخلية والعمل والبلديات، وهيئة مكافحة الفساد وإن كنت لا أعول كثيراً على هذه الأخيرة.
مع التصحيح والحزم في التطبيق، والعقوبات المشددة مع المخالفين خاصة من المواطنين المتاجرين بالتأشيرات، فإني أدعو إلى تسهيل إجراءات منح التأشيرات وفقاً لاحتياجات مؤسسات القطاع الخاص مع تطبيقات نطاقات، حتى نقلل من الآثار المتوقعة لمغادرة مئات الآلاف من العمالة غير النظامية، ونسهم في بدء أعمال شباب الوطن البدلاء ممن سيعوضون النقص بممارسة الأعمال للإحلال محل المغادرين.
التصحيح عمل جبار لا يعارضه في رأيي مواطن يحب وطنه، ويجب أن يعمل الوطن بجميع أطيافه مع هذه الحملة، لاستمراريتها ولحمايتها ولدعمها، ولكن مع ذلك كله يجب أن نتحلى بالعدل في التطبيق مع المخالفين، وحسن النية بالآخرين، وكرم الضيافة مع الوافدين حتى ونحن ننهي خدماتهم وندعوهم للعودة إلى بلادهم.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي