الدولة وما بعد التصحيح (1 من 2)

ما تقوم به اليوم الحكومة من إصلاح لخلل تراكمي استمر سنوات عدة وأثّر بشكل مباشر وغير مباشر في كل مناحي الحياة الاجتماعية والاقتصادية والمالية والأمنية والبيئية وغيرها، وأدى إلى ارتفاع نسبة غير السعوديين في بعض المدن السعودية إلى نحو النصف تقريباً من عدد السكان، ومع الأسف أغلبية أعداد المقيمين هم من المقيمين غير النظاميين سواء من جاء للحج والعمرة وتخلف عن العودة لبلده أو دخل المملكة بطريقة غير نظامية أو من يعمل عند غير كفيله برضا الكفيل أو من خلال الهروب والعمل لحسابهم الخاص. وكل هذه الظواهر السكانية تعتبر خللا جوهريا في العمود الفقري لاقتصاد وأمن الوطن ويؤدي مع الوقت إلى تراكمات خطيرة يصعب علاجها أو مواجهة المجتمع الدولي عند الرغبة في إصلاح خللها.
قليل من دول العالم لا يعاني مشكلة التركيبة السكانية مخالفي نظام الإقامة، والخطأ المرتكب دائما السكوت عن المسكوت عنه حتى يصبح ظاهرة تؤثر في استقرار الوطن ومصالح المواطنين بشكل سلبي يوجب الإصلاح الذي يصل إلى حد العمليات الجراحية الواجبة للفصل في الأمر دون مجاملة لأي فرد أو جنسية أو دولة أو أنظمة دولية أو أعراف عالمية، لأنها جميعاً - خصوصاً العديد من الأنظمة والمنظمات الدولية - لا تقف بجانب الدول والحكومات عندما ترغب في إصلاح أي خلل يشوب مسيرتها التنموية، خصوصاً عندما يتعلق الأمر بالإنسان، مع أن تلك المنظمات تعي خطورة وتعقيد التركيبات السكانية وخطورة المقيمين غير الشرعيين في الدول وأثرهم السلبي العالي في كل جوانب الحياة، خصوصاً الجانب الاقتصادي والأمني ثم الاجتماعي بشكل عام.
المملكة العربية السعودية تمثل بموقعها ومكانتها ومساحتها واقتصادها وحدودها مع الدول الأخرى قارة بكل ما يحمله هذا المصطلح والمفهوم من معنى، وتعي الدولة والحكومة هذا الأمر وتعمل جاهدة على تقليل الآثار السلبية من هذا المفهوم للموقع والمكانة، فعلى سبيل المثال يفد للمملكة سنوياً ملايين المسلمين لأداء فريضتي الحج والعمرة والزيارة ويتخلف العديد من المسلمين عن العودة إلى أوطانهم، ففي عام 1427هـ قدم للمملكة أقل من ثلاثة ملايين حاج ومعتمر تخلّف منهم أكثر من 450 ألفاً، مما اضطرت الحكومة ممثلة في وزارتي الداخلية والحج إلى تطوير الأنظمة التي تحد من ذلك، وهو ما تحقق - بحمد الله -، حيث تشير الإحصائيات إلى أن أكثر من تسعة ملايين حاج ومعتمر قدموا للمملكة عام 1433هـ لم يتخلف منهم إلا أقل من ستة آلاف شخص فقط، هذا التنظيم - على سبيل المثال - أغلق إلى حد كبير مصدراً من مصادر وجود المقيمين غير النظاميين.
التجربة الأخرى التي تصب في مصلحة معالجة وضع الجاليات المقيمة في المملكة بشكل غير منظم هو قيام الحكومة بالعمل الجاد في إصلاح وضع الجالية البرماوية المقيمة في المملكة منذ سنوات، مع أن هذا المشروع يعتبر تحديا كبيرا، إلا أن الرغبة الصادقة في إصلاح الخلل جعل الأمر ممكناً وتم الانتهاء منه مع مطلع عام 1435هـ، وهذا سيتبعه إصلاح وضع العديد من الجاليات المقيمة بشكل غير منظم أو نظامي.
ثالثاً: تعتبر المواقع أو الأحياء العشوائية المنتشرة داخل العديد من المدن السعودية أحد أهم الأوعية الحافظة والمخزنة للمتخلفين ومخالفي نظام الإقامة، وتمثل أحد أهم مصادر الكثير من المشكلات الاجتماعية والاقتصادية والأمنية، لهذا فإن تصدي الحكومة لمعالجتها والقضاء على كل المواقع والأحياء العشوائية سيزيد من وتيرة إصلاح الخلل السكاني ويساعد على معالجته وضع المقيمين إقامة غير نظامية، وهذا الأمر يتطلب تضافر جهود جميع قطاعات الدولة الحكومية والخاصة والأكاديمية والإعلامية ومؤسسات المجتمع المدني والمواطنين والمقيمين إقامة نظامية لمعالجة هذا الخلل وتحقيق التنظيم الأمثل للتركيبة السكانية والإسكانية للمدن.
التجارب والإجراءات والمحاولات التي تمت وتتم للقضاء على ظاهرة المقيمين غير النظاميين وتصحيح وضع من يمكن تصحيحه تتطلب إضافة إلى ما ذكر عددا من الإجراءات التي ترتكز بشكل أساسي على سياسة وتوجهات الدولة، منها على سبيل المثال:
1- إيقاف أو الحد بشكل كبير من تسرب العديد من المتسللين إلى السعودية، خصوصاً من الحدود اليمنية وما يصاحبه من جاليات إفريقية، وهذا الأمر يجب ألا يكون مجالاً للمجاملة.
2- تحقيق توفير أيدٍ عاملة من خلال الشركات التي يتم الترخيص لها وغيرها من وسائل الاستقدام، وهذا يتطلب محاربة أي محاباة أو فساد ربما ينشأ من سوء إدارة مثل تلك الشركات أيا كان نوعه مباشرا أو غير مباشر، ومثل هذه الشركات أو المكاتب يجب أن تكون تحت مراقبة صادقة ومستمرة حتى لا تعيدنا إلى مشكلة مخالفة الأنظمة مرة أخرى.
أما ثالثاً فستكون مع أخواتها في مقالي القادم - إن شاء الله. وفق الله الجهود التي تعمل من أجل وطن سعودي الانتماء، عربي اللسان، إسلامي المعتقد وعالمي الطموح.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي