أنا أسيء إذن أنا موجود
لا تقتصر أزمات كرة القدم السعودية على ما يجري داخل الملعب، بعد أن أصبحنا على موعد يتجدد تلقائياً بعد كل مباراة مع تصريحات غريبة بدأت على قناعة معها بأن الوسط الرياضي بات بحاجة ماسة إلى نشر أدبيات وثقافة الخطاب الصادر من كل من ينتمي إلى الأندية ووسائل الإعلام، بعد جملة من الأوصاف والاتهامات والإساءات التي أصبحت تصدر من رئيس النادي قبل المشجع، ومن المدرب أو الإداري قبل العاشق لفريقه، ومن الإعلامي قبل ذلك المحتقن في وسائل التواصل الاجتماعي!
مهندس زراعي، مشجع متعصب، الرئيس المتصدر، مؤسس منتدى .. هي أوصاف ــ مع الأسف ــ لم تصدر من المدرج، الذي يمكن أن تلتمس له العذر لو أطلقها، بل هي أوصاف وإساءات كثيرة صدرت من رؤساء أندية ومدربين وإعلاميين تجاه زملائهم في الوسط ذاته، وأصبحت بالفعل تتصدر المشهد الرياضي، وتؤسس لأزمة كبيرة في الخطاب الرياضي وكيفية التعاطي الإعلامي مع مختلف القضايا التي تخص هذا النادي أو ذلك الإعلامي الذي نزع رداء المهنة والمهنية، لينضم إلى ركب هؤلاء الساخرين.
أدرك أن حق الرد مكفول للجميع ما دام في إطار الهدوء والعقلانية والمبادئ الأخلاقية التي لا تنتقص أو تسخر من أحد، لكن عندما ينحرف مسار الخطاب الرياضي إلى شخصنة القضايا والدخول في الذمم وتوزيع الاتهامات والإساءات والانتقاص من الآخرين فإن ذلك يشير إلى فشل مركب، تسببت فيه الجهات المعنية بـ "الانضباط" و"المخالفات الإعلامية"، التي فشلت في الإمساك بزمام هذا الخطاب المحتقن وكبح جماح متطرفيه، ومن المؤكد أن الفشل الآخر يبدو في ذلك النادي الذي أصبح هو المحرك لهذه الإثارة الرخيصة، على الأقل لصرف أنظار الجماهير عما هو أهم وإشغالهم بهذه التصريحات المسيئة!
إن زمن "أنا أسيء إذن أنا موجود" هو سبب تأخر كرة القدم السعودية، فالإثارة بدلاً من أن تكون داخل الملعب أصبحت خارجه، ولذلك لن أستغرب أن يتراجع تصنيف منتخبنا كثيراً، وسوف أتقبل اكتساح أندية شرق آسيا البطولات الآسيوية بكل هدوء، ما دامت أنديتهم تعمل وتنجز، وما دمنا نصرح ونسيء!