هل يمكن تصنيف «ساهر» كأفضل مشروع في البلد؟
قبل ما يزيد على ثلاث سنوات تم تدشين نظام "ساهر" في مدينة الرياض، وبدأ التطبيق على مخالفي السرعة، ثم تبعه بمتجاوزي الإشارات الحمراء، ثم تم التطبيق على باقي مدن المملكة وطرقها الرئيسة تباعاً.
أي مقترحات وآليات وتطبيقات لضبط النظام العام مُرحب بها، ويجب تشجيعها، ولا سيما إذا كان الهدف منها حماية الأرواح والأموال، وأنظمة كشف السرعة موجودة في كثير من مدن العالم، هذه الأنظمة تركز على الترهيب بالكاميرات والعقوبات على السائقين المخالفين لحماية النظام العام ومستخدمي الطرقات الراكبين والمشاة، الهدف منها لم يكن يوماً ما زيادة الدخل من المخالفات، إنما تخفيف عدد الحوادث وخسائرها الاجتماعية والمعنوية والاقتصادية.
"نظام ساهر" ركز على التصيد ورصد المخالفات والعقوبات والمكر الآلي وجباية الأموال، أكثر من تركيزه على التوجيه والحماية والوقاية وتخفيف السرعة.
هذا التصيد يتضح بشكل جلي في أوجه عدة؛ أولها: أن السرعة المحددة في كثير من الطرقات سرعة منخفضة ولا تنسجم مع عرض الشارع ومنطقته وبيئته المحيطة وشدة الازدحام فيه! ودون ثبات في التطبيق بين الشوارع! ثانيها: أن سرعة كثير من الطرقات تتغير بدون سابق إنذار فتتغير السرعة من 80 إلى 70 ثم تتبعها كاميرا مباشرة، في عملية تصيد ماكر لسائق غافل! ثالثها: وجود كاميرات ساهر في الأعمدة واللوحات، في حفلة تنكرية مسرحها الشوارع والطرقات وكأن القصد هو جمع الأموال وليس تخفيف السرعة! رابعها: اختباء كاميرات "ساهر" المتنقلة في أماكن مستترة، في عملية استفزازية ليس من ورائها هدف إلا الجباية وزيادة الغلة!
تبدأ مخالفات "ساهر" بمبلغ 300 ريال، ثم تتصاعد بالزيادة تباعاً، وقيمة المخالفات أعلى من إمكانات الأفراد من عموم الناس، فلو كان متوسط مخالفات الأسرة شهرياً مبلغ 600 ريال، فتخيل أن هذا يعادل 7.5 في المائة من متوسط دخل الفرد السعودي الذي يبلغ 94 ألف ريال سنوياً!
هذا التصيد وقيمة المخالفات أثارا ردود فعل عكسية جماهيرية، هذا الردود مُلاحظة في الكاريكاتيرات التي وصفت "ساهر" في صحفنا المحلية بصفات سلبية، وتجدها حاضرة في تضامن الناس في الكشف عن كاميرات "ساهر" المختبئة في مواقع التواصل الاجتماعي، وفي تنبيه السائقين بعضهم بعضا على الطرقات بين المدن، وفي تغطية بعض الكاميرات من قبل بعض الجماهير الغاضبة، ثم في مرحلة أكثر عنفاً شهدنا مرحلة إتلاف بعض كاميرات "ساهر" بوسائل متعددة، وصل بعضها إلى التعدي الشخصي على المشغلين لهذه الكاميرات وسياراتها!
أحد العوامل الرئيسة للنظرة السلبية المجتمعية والشعبية لـ "ساهر" هو أن الجباية تتم لمصلحة مجموعة أفراد بحماية الدولة وتشجيعها وباستخدام أنظمتها، ففي حين شهدت السوق إدراج العديد من الشركات الفاشلة في سوق المال، ضاع فيها مئات الملايين من مدخرات المواطنين، تجد أن شركات احتكارية لخدمات حكومية مضمونة، يمتلكها بعض رجال الأعمال! كان من الأولى أن تكون شركات مساهمة عامة يمتلكها المواطنون، أو على الأقل شركة تملكها الدولة بالكامل مثل شركة العلم، ولا ينافس "ساهر" في هذه الصفة الذميمة إلا شركات تعليم القيادة وشركات الفحص الدوري.
سؤال بريء يمر بطيفي مع كل كاميرا "ساهر" أراها في شوارع العاصمة، هل فكرت هيئة مكافحة الفساد في تلمس أوجه القصور والأخطاء في «ساهر» خاصة تقديم زيادة الدخل منه على الأهداف الأساسية؟ أتمنى أن نسمع إجابة مقنعة من الهيئة.
ما الحل لمشكلتنا مع "ساهر"؟ هذا هو السؤال المهم، أقترح ما يلي:
- تخفيض قيمة المخالفات إلى الحد المعقول، بحيث تبدأ بمبلغ لا يتجاوز 120 ريالا، ومن الممكن زيادته بمتوالية حسابية وفق عدد المخالفات وسرعة ارتكابها.
- تثبيت السرعة المحددة بشكل متسق وثابت، فيكون لجميع الطرق السريعة سرعة موحدة، والشوارع عرض 60 مترا فأكثر داخل المدن سرعة محددة، والشوارع عرض 40 مترا لها سرعة محددة، وهكذا.
- إلغاء جميع الكاميرات المخفية، واستخدام الكاميرات الوهمية بشكل كبير (شاهر وظاهر)، بحيث يكون عدد الكاميرات الفعلية 10 في المائة فقط من عدد الكاميرات المزروعة في الشوارع والطرق، وبالتالي تحقق الهدف من وضعها، وهو تخويف السائقين بالمخالفة، وبالتالي تخفيض السرعة للحد المطلوب.
- تحويل شركات ساهر الأربع إلى شركة مساهمة واحدة، ويتم إدراجها في السوق واكتتاب المواطنين فيها، وبالتالي تعود أموال المخالفات التي يدفعها المخالفون إلى المواطنين المالكين للأسهم، ولا تكون هناك استفادة شخصية لأحد.
أختم بأطرف موقف مر علي بخصوص "ساهر"، عندما كنت في محاضرة لشباب الأعمال، فسألني أحدهم عن أفضل مشروع بأكثر عائد وأقل مخاطرة في السعودية، فقلت له بالعامية : "ما يبي لها شيخ، كاميرا ساهر".