هل ارتفاع موازنة وزارة التربية والتعليم مبرر؟
موازنة وزارة التربية والتعليم المعلنة لعام 2014 بلغت 121 مليار ريال، بمعنى آخر فإن الوزارة تستنزف ما يقارب 14 في المائة من الموازنة السعودية، المقلق في الأمر أن 86 في المائة من موازنة الوزارة تُصرف لتغطية بند الأجور بما مجموعه 104 مليارات ريال، ما بقي من الموازنة يتم صرفه على مشاريع الوزارة وتكاليف التشغيل بمبالغ 5 و12 مليارا على التوالي.
موازنة التربية والتعليم السعودية تتجاوز ميزانيات بعض الدول، وحق لها ذلك، فعدد موظفيها يقارب 700 ألف موظف، منهم 525 ألف معلم ومعلمة، وتخدم ما يقارب خمسة ملايين طالب وطالبة، عن طريق 27 ألف مدرسة.
معدل ما يصرف على التعليم في المملكة يعد من أعلى المعدلات في العالم، مقارنة بإجمالي الدخل، كما يبلغ معدل المبلغ المنصرف على الطالب الواحد ما يقارب 25 ألف ريال سنوياً، وهو أعلى من متوسط الرسوم الدراسية في أفضل المدارس الخاصة في المملكة!
في قناة "إم بي سي" يوم الجمعة الماضي، ذكرت المذيعة أن نسبة المنصرف على الأجور في وزارة التربية والتعليم عالية جداً، وذكرت أن البعض يبرر ذلك بالرواتب العالية والعلاوات التي لا تتوقف للمعلمين! ولمحت في إشارة طريفة إلى أن هذا يتعارض مع الهاشتاق الشهير #الراتب ـ لا يكفي ـ الحاجة!
وأعتقد أن المذيعة لو جربت أن تجلس مع أولادها لمدة سبع ساعات متواصلة لطلبت بدلاً إضافياً من الزوج، ولو جمعت أبناء الجيران في غرفة واحدة مع أبنائها لمدة ساعتين لنبت في رأسها نخل، فلا شك عندي في استحقاق المعلمين لما يقبضونه، خاصة معلمي المرحلة الابتدائية الذين يستحقون أكثر منه، مع تحفظي الشديد على تأهيل وأداء ومهنية وإخلاص بعض المعلمين والمعلمات الذين لم يحفظوا للمهنة الرائعة للمعلم كرامتها وهيبتها وجودتها؛ فأنتجت لنا بعضاً من جيل أَضاعوا الحسنيين العلم والأدب، واسألوا في ذلك أصحاب الاختصاص.
عوداً على موازنة وزارة التربية والتعليم، التي بلا شك تعد موازنة قياسية، والرقم المزعج فيها هو رقم الرواتب الأكثر إزعاجاً، الذي يتزايد ولا ينقص، مما يعني معه أن 12 في المائة من دخل المملكة سيذهب فقط إلى أجور موظفي وزارة التربية والتعليم وحدها فقط!
في مداخلة لمحمد الشثري وكيل الوزارة في البرنامج ذاته، ذكر أن ما يبرر هذه الأرقام هو العدد الكبير لموظفي الوزارة، وأن الوزارة تخدم دولة بمساحة قارة، وتكمن مشكلتها الأساسية في عديد من الهجر والمناطق النائية، وأن بعض المدارس في هذه القرى والهجر قد يزيد عدد المدرسين فيها على عدد الطلاب!
هذه الأرقام تعني أن علينا أن نغير من طريقة التعليم حتى يمكننا أن نرشد هذا الهدر الكبير بسبب سعة رقعة البلاد، التي تعتبر نعمة وليست نقمة، ومن أهم ما يجب عمله هو تجميع المدارس في القرى الصغيرة المتقاربة التي لا يبعد بعضها عن بعض أكثر من ثلاثة كيلومترات، وتفعيل النقل المدرسي فيها، كما يجب تفعيل التعليم الإلكتروني بشكل أو بآخر.
الحقيقة التي أراها مع كل ما كتبته أعلاه؛ أن المشكلة ليست في عدد المعلمين أو سعة رقعة المملكة، كما أنها ليست في الموازنة المرصودة ولا المبالغ المصروفة على التعليم، فهذه كلها استثمار في العقول والأجيال إذا أُحسِن العمل وبانت نتيجته، في ثروة بشرية لا تقدر بمال، لكن مشكلتنا تتمحور بشكل مباشر في رداءة مخرجات التعليم مع كل هذا الصرف والاستنزاف والجهود، حيث نفاجأ بطلاب وطالبات ينهون مرحلتهم الثانوية العامة وهو لا يجيدون القراءة والكتابة (باللغة العربية وليس اللغة الصينية)! فضلاً عن المستويات الرديئة في العلوم والرياضيات والتاريخ والثقافة واللغات والحاسب الآلي! ونفاجأ بطلاب وطالبات يفتقدون أساسيات الأدب واللباقة والاحترام ليس مع الغريب فقط، لكن حتى مع والديهم ومعلميهم وأسرهم! ناهيك عن بعض الطلاب والطالبات الذين يستمتعون ويتفننون في إهدار مقدرات الوطن ومكتسباته ولا يعرفون من الوطنية إلا اسمها، بل قد يخطئون في كتابتها!
المعلم هو أُسّ العملية التعليمية وعمودها الأساس، الذي تقوم عليه باقي عناصر نجاحها، وبحسب الأرقام المعلنة أعلاه يبلغ معدل المعلم للطلاب في المملكة رقماً قياسياً يعتبر من أعلى المعدلات العالمية، حيث يبلغ معلم واحد لكل تسعة طلاب تقريباً، وهذا المعدل يفترض أن ينتج تعليماً خارقاً، ومخرجات تعليم غير مسبوقة، لكن الواقع خلاف ذلك! أكثر المعلمين الذين يفترض فيهم الاعتزاز بمهنتهم والتشبث برسالتها والإخلاص لها، لا يحبون مهنتهم ولو وجدوا فرصة غيرها لهجروها، هذه النسبة تزيد على 90 في المائة ـــ حسب دراسة اطلعت عليها قبل سنوات.
فهل سنرى جديداً مع وزيرنا المتعين حديثاً؟ وزير جديد بروح حماسية وإدارة حاسمة وموازنة فلكية غير مسبوقة، ومشروع لتطوير التعليم رصيده بالمليارات لم تصرف بعد، أما نحن فلا نملك له إلا الدعاء بالتوفيق.