التدين كظاهرة معقدة !!

جمعني مجلس قبل 3 سنوات مع د.عبدالكريم بكار وتشعب الحديث حول بذرة الخير في نفوس الناس، فأخبرنا أنه رأى مضيفة طيران، تمضي وقتها في قراءة القرآن، ثم عقب بقوله : أصحاب النظرة السطحية لا يتصور أن مضيفة طيرآن تقرأ القُرآن بالطائرة.

الإنسان ظاهرة معقدة، لأن فيه جوانب كثيرة متعددة ومتداخلة، وما يظهر لنا أن فلان شخصية ساذجة، فإن نظرتنا هي الساذجة، أعني بالتعقيد أنه لا يمكن تحليل أو التنبؤ بسلوك شخص ما بسهولة.

التدين جانب من جوانب الإنسان وهو جانب معقد أشد التعقيد، من ينظر للتدين بشكل سطحي أو أحادي، لو قيل له يوجد شخصان (أ) و (ب)، إذا كان (أ) أكثر حرصاً على الصلاة من (ب)، فإنه سيكون أقل اغتيابا منه، لكن الواقع ليس دائما هكذا، قد يكون من السهل على شخص أن يصلي كثيراً، لكن تثقل الصدقة عليه، بالمقابل قد يشرب شخص ما الخمر، لكنه بار بوالديه.

حدثني صديق عن أخيه الذي طلبت منه زوجته السعودية أن تكشف وجهها، على الرغم من معارضة أهلها المحافظين، وانها تقول كشف الوجه معصية (مع التسليم بكونه واجب) لكن لا يعني ذلك أنني سيدة منحرفة، كما أن الشاب الذي يدخن ليس فاجراً.

لدينا في مجتمعنا ولع كبير بالحكم على الآخرين، تجد من حولك مستعد أن يصدر حكماً عليك من خلال الزي الذي تلبسه ويفترض لوازم ليست بالضرورة منطقية، على سبيل المثال، قد يصادف أحدهم فتاة كاشفة وجهها، فيفترض أنها قليلة تدين .. مع أن هذه اللوازم التي افترضها ليس لها أصل.

في غزوة تبوك، تخلف الصحابي كعب بن مالك، على الرغم أنه حضر غزوات قبلها، لكن أدركه الضعف البشري في آخر غزوة، ثم تاب الله عليه، لا يمكن من يتصور من ينظر للتدين كظاهرة أحادية، أن يتخلف صحابي عن آخر غزوة.

أخبرني زميل يعمل في بيئة مختلطة، يعمل فيها شبان و فتيات، بعض الشبان ملتحين وبعضهم لا، بعض الفتيات منقبات و بعضهن لا، قال لي : ليس هناك علاقة بين إجادة العمل و الزي الذي تلبسه.

لا أود أن يفهم القارئ، أن كل مضيفة طيرآن هي قارئة قرآن، أو كل ملتحي فهو كاذب! ما أود قوله أن التدين جانب معقد ولا يمكن أن يصدر حكم على تدين شخص ما من خلال موقف ما أو زي.

التدين علاقة خاصة بين العبد و ربه، وليس لنا السلطة لنوزع صكوك دخول الجنة من خلال ما يظهر لنا من حال من حولنا. علينا أن نحسن الظن الآخرين و نكل سرائرهم إلى الله.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي