بجاحة السياسة الروسية في سورية
الشعوب العربية تتلفت يمنة ويسرة بحثا عن أي مبرر عقلاني لموقف روسيا الداعم للطاغية بشار وشرذمته. وما مكاسب موسكو من مواجهاتها الطويلة والحادة مع العالم العربي خاصة، والعالم الغربي عامة، في الشأن السوري خلال العامين المنصرمين؟ ولماذا تستمر في توطيد علاقاتها الحميمة مع "الحاكم الدكتاتوري". ومده بالمال والعتاد ضد إرادة شعبه؟
الذي أثار الموضع هو استمرار التعجرف الروسي في دعم إرهاب النظام السوري واستمتاع الرئيس بوتن بأخذ أوامره من طهران. وقد أسعدني جدا ما صدر منذ أيام عبر مصدر رسمي في وزارة الخارجية السعودية، عن استغرابه من تعليق وزارة الخارجية الروسية، الذي أقحم فيه اسم المملكة، في محاولةٍ للومها على وقوفها إلى جانب الشعب السوري ضد النظام. وقال المصدر إن دعم روسيا المستمر للنظام، كان ولا يزال أحدَ الأسباب الرئيسة لتشجيع الأسد على التمادي في طغيانه، وإبقاء الأزمة السورية مشتعلة للعام الثالث على التوالي، دون بارقة أمل لحلها أو إنهاء إحدى أكبر الأزمات والمعاناة الإنسانية في التاريخ المعاصر، مشيراً إلى أن ما يثير الاستغراب والدهشة، هو استمرار مناصرة روسيا للنظام السوري المجرم.
وقد ختم المصدر تصريحه بالقول، إنه في ظل خيبة الأمل من العجز الدولي عن حل الأزمة، فإن مناصرة روسيا للنظام السوري، أثارت الكثير من التساؤلات، وبدون شك أفقدها الكثيرَ من تعاطف الشعوب العربية لشعورها بالخذلان الشديد تجاهها. إنني مؤمن بأن موقف شرفاء غير مستغرب من المملكة التي عانت وما زالت تعاني من موقفها البطولي تجاه طاغية سورية، فقد بذلت المال والدعم السياسي في سبيل حقن الدماء السورية. إذا اعتمدنا أسلوب قياس الأداء عن طريق استعمال ميزان حضور روسيا في سورية ونفوذ موسكو في الشرق الأوسط ككل، فالنتيجة بالتأكيد غير إيجابية لها. ولكن لب المسألة لا يكمن في ذلك لأن مصالح روسيا ومواقعها في هذه المنطقة من مناطق العالم كانت ولا تزال تستند إلى ما ورثته من الاتحاد السوفياتي بعد انهياره بداية التسعينيات، وتداعي أسسه وأسس الأنظمة المؤيدة للسوفيات والمحسوبة عليه. إن روسيا ومنذ بداية الأزمة السورية لم تكن تمارس لعبتها من أجل سورية أو الشرق الأوسط، ولكنها انتهجت استراتيجيات "الأماني" التي تمحورت حول:
ــ تسعى روسيا إلى ضمان مكانتها في النظام العالمي المعاصر، وذلك من خلال إثبات أن أي أزمة دولية خطيرة لا يمكن إيجاد حل لها دون أخذ رأي روسيا بعين الاعتبار، وربما تحقق لها ذلك ولكن على المدى القصير، ضاربة بعرض الحائط ما ترتب على ذلك من مآس إنسانية تمثلت في دماء سفكت وأرواح أزهقت بلغت مئات الآلاف من الأطفال والنساء والشيوخ.
ــ إن روسيا تسعى إلى الثأر من الولايات المتحدة الأمريكية التي عملت أواخر القرن الماضي، على انهيار سلطان النظام الشيوعي العالمي، وتفتيت الاتحاد السوفياتي. وهي تعتبر ما يجري الآن في سورية، حربا بين مصالح المعسكرين، الشرقي والغربي، وهي واهمة في ذلك، فلم يعد هنالك غير معسكر واحد.
ــ إن روسيا يهمهما من هذه الحرب، أن تفهم الدول المجاورة لها التي تدور في فلكها، وتستورد السلاح منها مثل إيران، أنها قادرة على حمايتها من النظام الأمريكي. لذا ترى روسيا أن انتصار الطغمة الحاكمة الفاسدة في سورية (لا سمح الله) بدعم منها، هو رسالة لكل أشكال التمرد التي تحدث في الدول التابعة للنظام الشيوعي العالمي. وفي اعتقادي أن هذه المنطلقات الثلاثة سوف تتكشف للقادة الروس قريبا بأنها كانت مجرد أماني لا تستند إلى أرض الواقع، وأن روسيا سوف تزول عن المنطقة في تطور موضوعي، لأن روسيا لن تكون أبدا من جديد دولة عظمى من الطراز السوفياتي، وستضطر بالتالي إلى حصر حيز مصالحها ضمن التخوم القريبة جغرافيا منها.