محاصرة الجرائم المالية
لا يمكن فرض النظام دون تفعيل العقوبات والقوانين، ولا يمكن ردع المجرمين إلا بعقوبات صارمة ونافذة. وحين يتعلق الأمر بالجرائم المالية، فلا بد من التأكيد على انعكاسات هذه الجرائم على مناحي الحياة الاقتصادية والاجتماعية. فلا يمكن ترك حقوق الناس المالية عرضة للمجرمين والمغامرين السفلة الذين لا يقيمون وزنا لحقوق الناس المالية سواء كانت هذه الحقوق مدخرات أو استثمارات أو غيره. الوقع السلبي للتعرض لأي شكل من أشكال الجرائم المالية لا يقل على النفس من وقع تعرضها لأي من صور الجرائم الجنائية الأخرى. وانعكاساته السلبية على النفس ذات تأثير عميق، وقد يؤدي في كثير من الأحيان للوفاة أو حتى الجنون كما هو مشاهد في كثير من حالات تعرض البعض لخسارة كل مدخراته أو مال تجارته نتيجة تعرضه لجريمة مالية. الجرائم المالية تدمر الاقتصادات، وتذهب الثقة بالنظام، وتؤثر في المجتمعات وتماسكها بطريقة رهيبة، ومتى تركت على الغارب تتلاشى هيبة الدولة وسمعتها في الحفاظ على الحقوق الماليه للناس. ومن هذا المنطلق والأساس تأتي أهمية تحديد وزير الداخلية لـ 20 جريمة كبيرة موجبة للتوقيف.
قرار وزير الداخليه المهم والمبارك سيدخل حيز التنفيذ بعد نحو 27 يوما. ويشمل الأفعال المنصوص عليها في المادة الـ 118 المعدلة من نظام الأوراق المالية، ما لم يقم صاحب الشيك بسداد قيمته أو في حالة الصلح أو التنازل بين الأطراف، واختلاس الأموال العامة أو أموال الأجهزة ذات الشخصية المعنوية العامة، أو الشركات أو المؤسسات التي تقوم بإدارة وتشغيل المرافق العامة، أو تقوم بمباشرة خدمات عامة، أو أموال الشركات المساهمة أو الشركات التي تساهم الدولة في رأسمالها، أو البنوك أو الشركات أو المؤسسات الفردية التي تزاول أعمالا مصرفية، ما لم يرد المبلغ المختلس. كما ويشمل القرار قضايا الاحتيال المالي ما لم يتم إنهاء الحقوق الخاصة، الاعتداء عمدا على ما دون النفس إذا نتج عنه زوال عضو أو تعطيل منفعة أو جزء منها، أو إصابة مدة الشفاء منها تتجاوز 15 يوما ما لم يتنازل صاحب الحق الخاص، والاعتداء عمداً على الأموال أو الممتلكات العامة أو الخاصة بأي وسيلة من وسائل الإتلاف بما يزيد قيمة التالف على خمسة آلاف ريال، ما لم يتم سداد قيمة التالف أو يتنازل صاحب الحق الخاص. والحقيقة أنه وحين الإمعان في حالات الجرائم المالية التي تستوجب التوقيف، يلاحظ أنها بطبيعتها لا تصدر إلا من محا حب المال كل ذرة خلق وكل قيمة سوية في نفسه. لا يمكن الاكتفاء من شر مجرمين المال إلا بتوقيفهم، ومن ثم تقديمهم للقانون لنيل الجزاء الرادع الذي يحفظ للمجتمع حقوقه المالية، مثلها مثل غيرها من الحقوق الأخرى.
إن قرار وزير الداخلية بتحديد الجرائم الموجبه للتوقيف، والذي يشمل الجرائم المالية، قرار حكيم وصائب وموفق وسينعكس إيجابيا على البيئة الاقتصادية والاستثمارية لبلادنا. كما يأتي القرار كنقطة مهمة وجوهرية في طريق محاصرة محترفي الجريمة المالية الذين انسلخوا من كل قيمة إنسانية سوية وسليمة، والذين لا يمكن ردعهم عن استهداف المال العام والخاص سوى بقوة وهيبة وصرامة تطبيق القوانين والأنظمة والقرارات. بلادنا لن تسمح لأي طغمة بتعكير صفاء المجتمع، وسواء كانت الطغمة الفاسدة إرهابية أو إجرامية أو غيرها، فليس لهم منا سوى صرامة تنفيذ القوانين والأنظمة والتعليمات، بما يضمن ردع كل من تسول له نفسه ارتكاب أي جريمة في بلادنا.