حرب الضرائب وقطاع الطاقة
تشكل الحروب التجارية وخاصة تلك المصحوبة بسياسات ضريبية متبادلة بين القوى الاقتصادية الكبرى كالولايات المتحدة الأمريكية والصين وكذلك أوروبا تهديدا مباشرا لاستقرار الأسواق العالمية، ويعد قطاع الطاقة من أكثر القطاعات تأثرا في رأيي بهذه التوترات. شهد العالم في السنوات الأخيرة واحدة من أبرز هذه المواجهات، تمثلت في حرب الضرائب بين الولايات المتحدة والصين، التي كان لها تأثير ملموس في أسعار النفط العالمية ونمو الطلب عليه.
في رأيي، بدأت حرب الضرائب بين واشنطن وبكين عندما فرضت الولايات المتحدة تعريفات جمركية على سلع صينية بمليارات الدولارات، وردت الصين بالمثل، ما صنع حالة من عدم اليقين في الأسواق العالمية. هذا التوتر الاقتصادي أدى إلى تراجع ثقة المستثمرين وإبطاء النمو الاقتصادي العالمي، وهو ما انعكس بشكل مباشر على توقعات الطلب على النفط.
أعتقد أن أسعار النفط تعتمد بشكل كبير على توازن العرض والطلب، كما تتأثر بالتوقعات المستقبلية للنمو الاقتصادي العالمي. وعندما تباطأ الاقتصاد نتيجة لهذه الحرب التجارية، انخفضت التوقعات لنمو الطلب على النفط، ما أدى إلى تراجع أسعاره في الأسواق العالمية. فعلى سبيل المثال، في ذروة التصعيد التجاري عام 2019، انخفض سعر خام برنت إلى ما دون 60 دولارا للبرميل بعد أن كان يتجاوز 75 دولارا، نتيجة لتخوف الأسواق من تراجع حركة التصنيع والنقل، وهما من أكبر مستهلكي الطاقة.
من وجهة نظري، أسهمت هذه الحرب أيضا في إضعاف سلاسل الإمداد العالمية، ما أدى إلى تقليص الإنتاج الصناعي في عدد من الدول الكبرى، وخاصة الصين التي تُعد من أكبر مستوردي النفط عالميا. كون الطلب الصيني يشكل ركيزة مهمة في معادلة الطلب العالمي، فإن أي تراجع فيه ينعكس فورا على السوق النفطي.
في خضم هذه التحديات، كان للسعودية دور محوري في محاولة ضبط أسواق النفط والحفاظ على توازنها، فمن خلال قيادتها لتحالف “أوبك+”، سعت السعودية إلى خفض الإنتاج بشكل مدروس لمواجهة انخفاض الطلب، والحفاظ على استقرار الأسعار عند مستويات مقبولة تضمن استمرار الاستثمارات في قطاع الطاقة. أعتقد أن الدور السعودي يعكس وعيا إستراتيجيا بأهمية استقرار السوق العالمي وأثره في الاقتصاد العالمي بأسره، وليس فقط على الدول المنتجة.
كذلك، أعتقد أن حرب الضرائب أثرت سلبا في ثقة الشركات في الاستثمارات المستقبلية بمجال الطاقة، خصوصا تلك المرتبطة بالتوسع في الإنتاج أو التطوير في مجالات الطاقة البديلة. إذ باتت الشركات أكثر تحفظا في إنفاقها الرأسمالي، خشية استمرار التوترات وتأثيرها في العوائد.
أرى أن حرب الضرائب بين الولايات المتحدة والصين تُظهر كيف أن السياسات الاقتصادية يمكن أن تزعزع استقرار قطاع الطاقة، وأن أي خلل في التوازن التجاري بين القوى الكبرى ينعكس سريعا على أسعار النفط ونمو الطلب عليه. ولذا، فإن استقرار الأسواق النفطية يحتاج إلى بيئة تجارية عالمية أكثر تكاملا تضمن تدفق التجارة واستقرار الطلب على الطاقة، بما يعزز النمو الاقتصادي العالمي، ويُبرز في الوقت ذاته أهمية الدور السعودي في قيادة توازن السوق العالمية.