السعودية و"الفوضى الخلاقة"
الحديث عن رؤية وأطروحات وأهداف وتوجهات أجندة القرن الحادي والعشرين وما تحمله من آمال وطموحات للبناء والتنمية والتطوير والسعي نحو مجتمع بشري أكثر تكاملا وتفاعلا وتواصلا واستثمارا لكل معطيات التقنية والتطوير في مختلف المجالات، خصوصا مع تقارب المجتمعات من خلال التواصل المجتمعي والإعلامي بمختلف وسائله وأدواته، وهو الحدث الأهم والأكبر في عالم القرن الحادي والعشرين، هذا التواصل الذي حقق الكثير من الخير لمختلف مجتمعات الأرض، لكنه أيضا خرج عن الرؤية التي رسمها المهتمون بالتنمية الإنسانية والمكانية عند وضع الأجندة لأنه تم استغلاله من قبل السياسيين والعسكريين من أجل تحقيق بعض الأجندات المختفية داخل أو تحت أهداف أجندة القرن الحادي والعشرين التي تم اعتمادها في اجتماع قادة العالم في مدينة إسطنبول التركية عام 1996، التي يتم الآن التحضير لمراجعة مخرجاتها بعد مرور 15 عاما من بدء تنفيذها، ولعل منطقة الشرق الأوسط بشكل عام والمملكة بشكل خاص تأتي على قائمة الدول التي تعتبر المحرك الأساسي لتحقيق الأهداف المعلنة والمخفية تحت الأهداف المعلنة لأجندة القرن الحادي والعشرين في نظر جميع التنمويين والسياسيين والعسكريين، والمحرك الأساسي هنا يقصد به تحقيق التغيير وفق ما يرونه هم وليس وفقا لما نريده نحن السعوديين لوطننا ومواطنيه وفقا للثوابت التي قامت عليها المملكة والتي نؤكد دائما وفي كل المناسبات والمحافل الإقليمية والدولية أننا نملك خصوصية تختلف عن أغلبية دول العالم حتى إن حاول البعض أن يقلل من أهمية هذه الخصوصية مع أهميتها التي أوضحت شيئا منها في مقال "السعودية تجمعنا".
إن المملكة بما تملكه من ثقل عالمي في كل مناحي الحياة، فعلى مستوى العالم الإسلامي السعودية هي القبلة والمرجع الإسلامي لوجود الحرمين الشريفين ولأنها الدولة المستهدية بكتاب الله وسنة رسوله - عليه الصلاة والسلام - والنموذج الإسلامي الوحيد عالميا، وفي المقابل فإنها تمثل ثقلا عالميا اقتصاديا لما تحققه من توازن في مجال الطاقة ودول العالم أجمع، تعي مسؤولية السعودية في تحقيق الاستقرار الاقتصادي العالمي بمحافظتها على اتزان أسعار البترول وعدم السماح للأسواق العالمية بالعبث فيها لأن كل الأنشطة الاقتصادية من أصغرها إلى أكبرها تعتمد بعد الله - سبحانه وتعالى - على البترول في كل مناحي الحياة الإنتاجية والخدمية، وثالث تلك المسؤوليات التي يعترف بها قادة العالم للقيادة السعودية هو بعدها عن كل المهاترات والمنازعات والتدخلات العالمية في شؤون الآخرين، ويحسب للسعودية هذا الموقف المتزن في علاقاتها الخارجية، ورابع تلك الإيجابيات الانسجام والترابط الأسري السعودي في وحدة غير مسبوقة حتى الآن محركها الأساسي المبادئ الإسلامية والقيم العربية التي وإن اختلف البعض معي فيها إلا أن السعودية تعتبر آخر معاقل هذه المبادئ والقيم، التي مع الأسف، تم نسفها في الكثير من دول العالم، وكما تقول والدتي - حفظها الله - في تعليقها على مستوى التعري والتفسخ الأخلاقي الغربي ما نصه "ماذا بقي يستحي منه هؤلاء القوم"، ولهذا فإن تعزيز القيم والحرص على احترامها يتطلب العمل عليها وتطويرها لينعكس بشكل إيجابي ومباشر على مختلف مناحي الحياة العملية والسلوكية وله حديث قادم - إن شاء الله.
إن الوضع العام المحيط بالمملكة سواء من شمالها فيما يتعلق بالوضع في العراق أو سورية، أو في الجنوب من جهة اليمن، وأيضا الوضع بشكل عام في القارة الإفريقية يتطلب معرفته بدقة ومعرفة من يقف خلفه وكيف يستمد قوته ودعمه، ولعل الدفع بما يسمى "الربيع العربي" من خلال مفهوم "الفوضى الخلاقة" التي تسعى إلى إضعاف الدول والعمل على تقسيمها إلى دويلات ضعيفة بحيث لا تكون قادرة على حماية نفسها ومصالحها وتصبح دولا منزوعة الإرادة والقدرة على البقاء وتصبح تلك الدويلات مسرحا لكل المصالح الخارجية وابتزازا لكل خير فيها، وهو ما يحدث فعلا في العراق اليوم وحدث بالأمس في السودان ويجري الإعداد له في سورية ولبنان والبحرين ومصر والشمال الإفريقي، واللافت للنظر هو الاستمرار في استخدام المد الشيعي الإيراني المستخدم قبل قيام أمريكا وإسرائيل والذي يتغذى الآن على التجربة الإسرائيلية في فلسطين والاعتماد على تقسيم المجتمعات العربية والإسلامية واستخدام المذاهب كطريقة لتحقيق ذلك.
إن استخدام المد الإيراني الشيعي الذي يعمل على خنق المملكة ومصالحها من كل الأطراف الخارجية والعمل على تفعيل ذلك من داخل الوطن من خلال استخدام أتباعهم في العديد من المواقع والعمل على نشرهم في المواقع الأساسية والحساسة سواء داخل أروقة صناعة القرار أو المواقع الخدمية المؤثرة في شؤون الحياة اليومية للمواطنين، إضافة إلى تحقيق الانتشار الأفقي بحيث يكونون في كل المواقع المختلفة بحيث إذا جاء وقت التحرك يصعب تحديد مواقعهم ويكون تحركا شاملا في مختلف المناطق والمدن والقرى. والحديث عن السعودية والمد الإيراني الشيعي وفقا لما يرتب له وفي ضوء ما يحدث اليوم وحدث خلال العصور الإسلامية المختلفة سيكون مقال الأسبوع المقبل - إن شاء الله. حمى الله وطننا المملكة العربية السعودية من كل شر ووفق الله الجهود التي تعمل من أجل وطن سعودي الانتماء وعربي اللسان وإسلامي المعتقد وعالمي الطموح.
وقفة تأمل
قال لقمان لابنه :
«يا بني ليكن أول شيء تكسبه بعد الإيمان بالله أخا صادقا، فإنما مثله كمثل (شجرة) إن جلست في ظلها أظلتك وإن أخذت منها أطعمتك وإن لم تنفعك لم تضرك!
وليست الروعة أن تراه كل يوم، لكن أن تشعر بوجوده حولك وإن كان بعيدا وكل محبة يقطعها الموت إلا المحبة في الله».