صَدَقَ الملك .. لم يفرقوا بين الإصلاح والإرهاب

ولأن الفوضى التي تعيشها منطقتنا لا مثيل لها، كان من الطبيعي أن تكون الإفرازات المصاحبة لها على قدر كبير من الخطر الذي لا تُحمد عقباه، فكُشفت أقنعة، وعُريت وجوه، وفُضح أناس. من يدري فربما تكون حكمة من رب العالمين أن مرت بلادنا بهذه الغُمة، فعرفنا من هو المخدوع ومن هو المحرض ومن هو رأس الفتنة.
"اختلطت عليهم الأمور، فلم يفرقوا بين الإصلاح والإرهاب"، عبارة قالها خادم الحرمين الشريفين، في الكلمة التي وجهها بمناسبة شهر رمضان، وتلخص مشوار وطريق كل أولئك الذين خُدعوا وظنوا، كذباً وزوراً، أنهم مصلحون. يدعم تنظيم "القاعدة" ويظن أنه مصلح، يساند كل من يطعن هذه البلاد ويظن أنه مصلح، يبشر بـ "داعش" وإرهابها، وأيضاً يظن أنه مصلح. صدق الملك: لم يفرقوا بين الإصلاح والإرهاب.
قبل 10 سنوات تقريباً بشرت وزيرة الخارجية الأمريكية كوندليزا رايس بفوضى خلاقة في الشرق الأوسط، فقد عرّفت رايس الفوضى الخلاقة بأنها تلك "التي تفرزها عملية التحول الديموقراطي في الشرق الأوسط في البداية"، ثم تضيف "هي نوع من الفوضى الخلاقة التي ربما تنتج في النهاية وضعاً أفضل مما تعيشه المنطقة حاليا". يا ترى هل كانت تعي الولايات المتحدة الأمريكية أنها ستفتح الباب أمام قوى الإرهاب لتعيث فساداً في المنطقة؟ هل تعي الولايات المتحدة أنها ستكتوي بنار هذا الإرهاب مهما بعدت أرضها آلاف الأميال عن بلاد "الفوضى الخلاقة"؟!
القصة ليست جديدة، بدءا من طالبان مروراً بالقتال في الشيشان والبوسنة والهرسك والعراق واليمن والصومال، وانتهاء في سورية ما بين "داعش" و"النصرة" وغيرهما من التنظيمات المتطرفة. كل القصة أن المحرضين على القتال مستمرون في نهجهم، والساعون للذهاب لسورية أو العراق وغيرهما ماضون في فكرهم، والمتربصون بالسعودية من جماعات وأحزاب أكثر الناس فرحاً بهذه الفوضى، ثم نأتي ونتساءل: لماذا الفكر "القاعدي" أو "الداعشي" أو "الإخواني" منتشر بيننا؟ منتشر لأن العازفين على وتر الشعبية والأجندات الشخصية لم يحاكمهم أحد. منتشر لأن كمية التحريض بلغت درجات غير مسبوقة ونجحوا في إلباسها لباس الدين. منتشر لأن هناك من تمكن من إقناع مريديه أنه طالما السعودية جرمت "الإخوان المسلمون" كجماعة إرهابية، فإن السعودية تحارب الإسلام. تخيلوا يزايدون على المملكة في خدمة الإسلام. ما أقبحهم من مصلحين!
لا جدال أن بلادنا، كما غيرها، بحاجة إلى الإصلاح في كثير من نواحي مؤسساتها، ومن المجحف القول إننا بلغنا الكمال أو أن بلادنا ليست بحاجة إلى كل مخلص غيور ينتقد ويطالب ولا يقبل بتراكم الأخطاء، إلا أننا في الوقت نفسه لا يمكن أن نسمع ونرى من يدعم الإرهاب من بوابة الإصلاح، ويتسبب في الفتنة من ذات البوابة، ويدعم كل بلاد الدنيا إلا بلاده، وفي النهاية يرفع صوته: أنا مصلح. دلوني على بلاد في الدنيا أصلحها مثل هؤلاء الحزبيين!
للإصلاح أبواب كثيرة ليس من ضمنها مساندة الإرهاب ولا الإرهابيين، لا بطريقة مباشرة ولا بطريقة مناكفة الدولة ورجالها. هل تسمع يا من خدعوك فقالوا استمر في غيك هكذا يكون الإصلاح؟ صدق العزيز الحكيم "وإذا قيل لهم لا تفسدوا في الأرض قالوا إنما نحن مصلحون. ألا إنهم هم المفسدون ولكن لا يشعرون".

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي